حتى تبقى الكويت استثناء لـ «القاعدة»


كتب جاسم بودي:
عملية فيلكا في مقاييس عمليات الإرهاب المعروفة تعتبر، على أهمية دلالاتها، صغيرة مقارنة بغيرها. لكن القراءة الموضوعية لأبعادها وظروفها وتوقيتها تظهر أنها قد تكون رأس جبل الجليد والمخفي أعظم.
هذه العملية تطرح أسئلة كثيرة أهمها يتمحور حول ثلاثة أمور: هل هي فردية وعابرة و«حماسية» كما قيل؟ هل كشفت ثغرات في الاحتياطات الأمنية الأميركية والكويتية وخللاً في التنسيق؟ هل ستكون مناسبة لمرحلة سياسية كويتية جديدة ترتقي إلى حجم المسؤولية؟
لا شك في أن الشابين اللذين نفذا العملية لم يقررا ذلك في يوم أو يومين. ومهما كانت مبرراتهما الفكرية والأيديولوجية ودوافعهما الدينية أو السياسية وغاياتهما «الجهادية»، فإنهما بالتأكيد جزء من منظومة أكبر عبأت وخططت وانتظرت وأصدرت الأوامر.
هذه النوعية من الشبان، صغار السن، الذين بدأوا خبرتهم في حمل السلاح في مناطق بعيدة جغرافياً عن الكويت، لا يمكن أن يخططوا ويقرروا وينفذوا مهما امتلأت قلوبهم حماسة، من دون موجه ومعبئ ومخطط. ومن التسرع، إن لم يكن من السذاجة، اعتبار شرائط زعيم تنظيم «القاعدة» أسامة بن لادن، أو صلة العلاقة مع الناطق باسم التنظيم سليمان أبوغيث، العامل الأساسي للتعبئة، ففي الأمور التي تصل إلى درجة المواجهة المكشوفة كما حصل، تكون التعبئة قريبة ويومية وليست على بعد آلاف الكيلومترات.
وإذا كانت الاعتقالات التي طالت عشرات الشبان ضرورية أو احترازية من وجهة نظر الأجهزة الأمنية، فإن الضروري أكثر هو تطويق هذه الظاهرة من خلال ضرب «الشبكة المحلية» (إذا جاز القول) التي تدير أفكار مثل هؤلاء الشبان حتى لا تنتج في المستقبل القريب عشرات المستعدين للموت من أجل ما يعتبرونه «جهاداً».
وترى مصادر أمنية أن أسلوب «العائدين من أفغانستان» بعيد تماماً من أسلـوب التيـارين الإسلاميين الرئيسييـن في الكويت وهمــا «الأخوان» و«السلف» («الإصلاح» و«إحياء التراث») وأن الفاعلين في «التيار الجهادي» (كما يحبون أن يطلق عليهم) يتوزعون بين 100 و 150 شخصاً، وهو رقم وإن كان يبدو قليلاً وقابلاً للسيطرة إلا أنه في بلد صغير مثل الكويت وفي ظروف معينة يمكن أن يشكل أزمة حقيقية.
على الصعيد الأمني، كشفت العملية خللاً واضحاً في ناحيتي الاحتياط والتنسيق، خصوصاً عند الجانب الأميركي. فالمناورات كانت في جزيرة مخصصة لهذا الاستخدام، والكتيبة التي شاركت فيها قدمت من البحرين وأنهت عملها الخميس الماضي مع الكتيبة الكويتية وكان مفروضاً أن تغادر الجمعة إلا أنها مددت وجودها لأيام أخرى.
الحادث حصل في الحادية عشرة والنصف صباحاً، لكن الأميركيين لم يسمحوا لقوات الأمن الكويتية أو حتى للمسؤولين الأمنيين في سفارة الولايات المتحدة أو للمسؤولين في قاعدة الدوحة الأميركية بالوصول إلى الموقع والمشاركة في التحقيق قبل الثالثة والنصف من بعد الظهر. وكانت إجابات المسؤولين الأميركيين في الجزيرة أنهم يتلقون أوامرهم من قيادتهم في البحرين وليست من أي جهة أخرى. بل وصل الأمر بهؤلاء إلى تهديد مجموعة عسكرية كويتية أرادت المساعدة والمشاركة بعد الحادث بفتح النار عليها إن لم تبتعد.
التنسيق الأمني لم يكن موجوداً لدى الأميركيين وتوزع بين فيلكا والدوحة والسفارة، وغاب بين الأميركيين أساسا وبينهم وبين الجانب الكويتي المفروض أنه المسؤول أساساً عن الأمن على أرض كويتية، وعندما سمح له بعد «تكبيل» لمدة ساعات كان مسرح الجريمة تعرض لكثير من العبث بالنسبة للأدلة والبصمات.
عملية فيلكا كشفت حجم التضارب بين الأجهزة، والسؤال الآن: ماذا لو حصلت عملية أكبر؟
سياسياً، شهد كثيرون للحكومة وعلى رأسها رئيسها بالنيابة الشيخ صباح الأحمد بالشفافية والتعامل المسؤول مع الحدث. ففي دول أخرى، ما كان ممكناً أن تعلن السلطات هوية العملية (إرهاب ) وهوية مرتكبيها بهذه السرعة ومن دون الدخول في مساومات مع الجانب الأميركي. وربما عاد ذلك إلى قناعة صباح الأحمد بأن للإرهاب هوية واحدة، وبأنه ليس إرهاباً «في الكويت» وإنما «إرهاب للكويت» التي تعرضت في العقدين الماضيين لسلسلة عمليات من هذا النوع نتيجة مواقفها وتوازنها واتزانها.
الجديد في هذا النوع من «الإرهاب للكويت» أنه تم بأيدٍ كويتية، والملفت أنه، وكما هي العادة، بدأ يوظف في تصفية حسابات داخلية من جهة وفي إطار الصراع السياسي من جهة أخرى.
العملية بحجمها وأبعادها ودلالاتها واحتمالاتها، تستدعي رؤية سياسية جديدة في الكويت تنأى بها عن التنازع الحكومي، المعلن وغير المعلن، فالقضية قضية مصير وليست وجهة نظر، وتنأى بها أيضاً عن لعبة الأهداف والتصيد في إطار المؤسسات السياسية الأهلية، فهي تستدعي التفافاً أفقياً على صعيد الشارع يوازيه التفاف أكبر بين الشارع والحكم. وعكس ذلك يعني أن العملية الأمنية في فيلكا ستفجر «عمليات سياسية» داخل المجتمع الكويتي على قاعدة التشفي والتخوين في وقت أكثر ما تكون الكويت بغنى عن هذه القاعدة وكل «قاعدة» أخرى.
بعض الاجابات سيتضح خلال ساعات أو يومين وبعضها الآخر ينتظر... إنما الى متى؟