صباح الأحمد اعقلها... وغيّر

تصغير
تكبير
ربما كان سمو رئيس الوزراء الشيخ صباح الأحمد أكثر المسؤولين الكويتيين كرها للتعصب الطائفي والقبلي والمذهبي والمناطقي واكثرهم بعدا عن إقحام هذا التعصب في لعبة السياسة، فرئيس الوزراء القادم الى منصبه بعد عمر أفناه في مؤسسة الحكم اصبح أسير المصلحة العامة في القول والممارسة ولا يستطيع تغيير اولوياته الاصلاحية بتقديم «المناكفات السياسية» الصغيرة عليها. مناسبة الكلام، الحديث عن تعديل حكومي بعد استقالة وزيرين من جهة وضرورة تدوير بعض الحقائب من جهة اخرى تفعيلا للعمل الحكومي وتفاديا لعناصر التأزيم مع مجلس الامة. فرئيس الوزراء الذي يحبذ الثبات لإعطاء فرصة للوزراء للعمل والانجاز - وهو محق في ذلك - وجد نفسه امام واقع جديد لم يكن يتمناه لكنه مضطر للتعامل معه، وبدأ يستقبل ويستشير ويستمزج الآراء في كيفية اجراء «تنقيح» سريع لا يضرب مبدأ الثبات ولا يسمح بثغرات في الوقت نفسه، وبدأت الترشيحات تتسرب الى الاعلاميين وفق الحسابات السابقة التي استندت اليها كل الحكومات... وهنا بيت القصيد. ليس سرا ان تحديات الخارج من جهة وظروف الداخل الخاصة من جهة اخرى اوجدتا اطارا معينا في طريقة تشكيل الحكومات اصطلح على تسميته بـ «الثوابت» القائمة على اعتبارات عرفية وليس على اعتبارات دستورية. هذه «الثوابت» التي لا نريد الخوض في اسبابها ومسبباتها رسخت وضعا معينا كرّس حزبية مشوهة في غياب الحياة الحزبية الحقيقية. بمعنى اوضح فإن التيار الذي كان يرفض تطور الحياة السياسية من اجل اصلاح اكبر ومشاركة اوسع، فتح الباب واسعا لحزبية من نوع آخر بل حدد لها الحصص في السلطة والقرار وانسحب ذلك لاحقا على الحياة البرلمانية التي استنسخت تلك المعايير وصار الناس يصوتون لـ «أحزابهم». ومن ضمن «الثوابت» السيئة النتائج، ان الحكومة يجب ان تضم شيعيا واحدا وممثلا عن التجار وآخر عن القبائل وثالثا عن الاسلاميين ورابعا عن الليبراليين وخامسا للمناطق الخارجية...إلخ. هذه اللوائح شكلت اساس التركيبات الحكومية منذ ما يزيد على 15 عاما مكرّسة الحزبية المقيتة التي ننام ونستيقظ على تصريحات التنديد بها، ومظهرة صورة واحدة للحياة السياسية الكويتية هي الصورة القائمة على أن في البلد حزبا (أو حزبين) باسم الشيعة وحزبا آخر باسم التجار وثالثا باسم القبائل ورابعا باسم المذاهب وخامسا باسم المناطق وسادسا وسابعا وثامنا... الى جانب التجمعات والحركات الاسلامية والليبرالية. من دون ان ننسى ان هذه اللوائح نفسها ظهرت صورة اخرى اكبر لحزبين رئيسيين يشكلان مظلة لها هما «حزبا» الحكومة والمجلس. ويعرف سمو الرئيس قبل غيره كم كانت هذه التركيبات تعيق التجانس الحكومي وتؤخر العمل الاصلاحي وتفتح ابواب السجالات المستمرة مع السلطة التشريعية. هذه «الثوابت» اخترقت اخيرا من جوانب عدة، كان اهمها فصل ولاية العهد عن رئاسة مجلس الوزراء الامر الذي استقبله الشيخ صباح بصدر كبير معوضا حصانة المنصب بحصانة العمل والثقة، وثاني هذه الاختراقات كان في تكريس ثبات العمل الوزاري بعدما فاق عدد «الوزراء السابقين» عدد الراغبين في العمل السياسي وانتشرت ظاهرة الاستقالة من الشأن العام، وثالثها تمثل في النهج الاصلاحي التنموي للحكومة الحالية الذي يحاول التركيز على برامجها وإبعادها ما امكن عن الغرق في المناكفات السياسية الداخلية والقضايا الصغيرة... ونعتقد ان هذه الاختراقات تشكل رصيدا كافيا للشيخ صباح لتصحيح المعادلة وتغيير صورة «الثوابت». ماذا لو دخل شيعيان او ثلاثة من اصحاب الخبرة والكفاءة في وقت واحد الى الحكومة؟ ومن قال ان الشيعة حزب ولا يتمثل باكثر من عضو في الحكومة؟ وهل معيار الاختيار النجاح والاداء ام الطائفة؟ ما هي الملامح الحالية التي تحدد طبقة التجار او «حزب التجار» استنادا الى «الثوابت» واعرافها؟ قد تكون هذه الملامح واضحة المعالم حتى الستينات لكنها الآن في قمة الاختلاف، فاذا كان التاجر هو من يملك رخصة تجارية فغالبية الكويتيين تملكها واذا كان من اصحاب الثروات فهي موجودة ولله الحمد لدى الآلاف. لماذا نحصر اداء وزير في ارضاء العامل القبلي؟ ولماذا لا يكون المعيار فوق القبيلة والمذهب والمنطقة اتى من اتى وغاب من غاب؟ اليس الوزير وزيرا لكل الكويت وخادما لكل الكويتيين؟ رصيد الشيخ صباح الوطني والسياسي يسمح له بتجاوز تركيبات الماضي المعلبة ومزاوجة الاصلاح الاقتصادي الذي جعله همه الاول بالاصلاح السياسي، فالاصلاحان متلازمان والتنقيح الحكومي الحالي قد يكون الاختراق الرابع لـ «الثوابت» ونقطة انطلاق جدية نحو آفاق وطنية أرحب وتركيبة حكومية افعل. جاسم بودي
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي