Good morning America


عامان على انهيار برجين وسقوط نظامين، عامان ولم يتغير شيء في جوهر الأمور: إدارة تفكر بجرحها لا بعقلها وإرهاب يقامر بأرواح الأبرياء، وكأنما الطرفان متفقان على التبارز العلني والسري في ساحة مصارعة... ضحاياها الجمهور.
. . .
سقط البرجان فأسقطا ركيزتين واحدة شكلت حقيقة وجود الأمة الأميركية نفسها أي التعايش الحضاري بين مختلف المجموعات والأعراق والأديان، والثانية شكلت حقيقة خطاب هذه الأمة مع الخارج وفي رأسها عدم التدخل في الشؤون الداخلية للأمم... والسقوطان، في العمق، أديا إلى نتيجة واحدة.
زحفت العنصرية على دوائر السياسة والدين، وحوّل منظرو الإدارة الجدد إجرام 19 شخصاً إلى صراع حضاري بين الغرب والعرب والإسلام والمسيحية والتقدم والتخلف، ولولا قلة عاقلة في مراكز القرار لكانت قوانين التمييز اتسعت والحملات الإعلامية المدعومة من نواب وشيوخ تصاعدت والقصف العشوائي السياسي والعسكري خارج أميركا استمر.
ومن عدم التدخل في شؤون الآخرين إلى محاولة «تصدير الثورة الأميركية» بالدبابات والمقاتلات والتلويح بعقوبات إذا لم يعتمد «المتخلفون» النموذج «المتقدم» معلّبا كما هو، وبمساعدات وهدايا واتفاقات تجارة حرة إذا تعاملوا مع مطالب العم سام كإملاءات. وعلى هامشي التهديد والتنفيذ... وعيد بضرورة تغيير السلوكيات والمناهج والتربية والأنظمة المالية والمصرفية وغيرها، ليقف الأميركيون «بدون تدخل» أمام الأبواب والنوافذ مراقبين، موجهين، حراساً للنظام العالمي الجديد الذي لا يتفق مسؤولان أميركيان على تفسير واحد له.
. . .
وسقط البرجان من دون أن يبنيا شيئاً في العقول والذهنيات والنفوس العربية. بعضنا مازال حتى اليوم يرفض الاعتراف بأن عرباً ومسلمين قاموا بهذا الفعل الإجرامي، وبعضنا الآخر عاش نظرية المؤامرة حتى النخاع معتبراً أن «الموساد» خطط للعملية ولردود الفعل ولمسار الحربين على أفغانستان والعراق، وكثيرون منا تعاموا عن الخطر الذي يعيش داخل مجتمعاتنا وأصيبوا بهاجس العداء للأميركيين فعلاً ووهماً وباتوا يعارضون أي إصلاح لمجرد أن الأميركيين تحدثوا فيه.
وسقط نظامان، غير مأسوف عليهما، من دون أن تسقط عناصر التخلف في العقول والذهنيات والنفوس العربية. بعضنا ما زال حتى اليوم يراهن على فوضى وانقسام وحمام دم في كابول وبغداد نكاية بـ «الاحتلال»، وبعضنا الآخر لم تتحرك ذرة من وجدانه وهو يرى المقابر الجماعية تختصر «العراق العظيم» أو يستمع إلى قصص «التطهير الجماعي» في أفغانستان السابقة، وكثيرون منا تعاموا عن خطر الديكتاتورية معتبرين بقاء «المستبد الوطني» أفضل من أي تغيير ما دام الأميركي في قلب هذا التغيير.
. . .
عامان على سقوط البرجين، والدائرة الكبيرة من واشنطن إلى كابول تتقلص شيئاً فشيئاً لمصلحة مشاهد العجز والقهر. فعلى حدود الدائرة من الشرق دولة في «محور الشر» تفاخر بامتلاكها أسلحة نووية وتستجدي معركة مع «محور الخير»، وفي قلب الدائرة دولة هي «الشر المحوري» في العالم تستعرض يومياً كل ابتكارات التعذيب والقمع والإرهاب ضد الفلسطينيين محروسة بخمسين نجمة و 110 قنابل ذرية. وبين كل هذه المشاهد مشهد بسيط لـ «التسامح» الأميركي مع دولة أدينت بالإرهاب واعترفت هي نفسها بفعلتها، مشهد أعطى العالم درساً في حراسة أميركا لـ «القيم» التي تنادي بها، إذ قايضت هذه القيم بمليارات الدولارات وآلاف فرص العمل ومئات المشاريع وحفظت دماء الأبرياء الذين سقطوا في الطائرات والمقاهي، في صفحات الملف نفسه الذي أصدرته الإدارة الأميركية ضد هذه الدولة وفيه أن لا حل معها إلا بتغيير نظامها الديكتاتوري القمعي.
. . .
صباح الخير يا أميركا... لا نريد لأمتك العظيمة أن تعيش على تقويم 11 سبتمبر، فصباح ذلك اليوم كان شراً لك ولكل دول العالم وللعرب والمسلمين بالتحديد.
نريد صباحات جديدة تبدأ شمسها من إدارتك، فيتوحد خطابها ويسمو ويرتقي على سياسة المعايير المختلفة في اتجاه عادل أكثر، حتى نستطيع أن نواجه، نحن أصحاب البيت، الظواهر الشاذة التي تشعل النار عندنا وتستقطب النار من الخارج بدل... الماء.
صباح الخير يا أميركا، رحم الله جميع الأبرياء وأبقى شعلة الحرية متوهجة فوق تمثالها.
جاسم بودي