1+1=11


قبل خمس سنوات، قرأ كثيرون 11 سبتمبر بعين واحدة سواء كانوا في معسكر «الخير والشر» الأميركي أو في «فسطاط الإيمان والكفر» الأصولي، وكأن سقوط البرجين أسس لقراءة واحدة وعين واحدة ومفاهيم واحدة.
وبعد خمس سنوات اتضح ان الإدارة الأميركية تحتاج إلى عينيها الاثنتين للرؤية الصحيحة وإلى أذنيها الاثنتين للاستماع الصحيح بعدما أسرت نفسها في نظريات مستشارين بعينهم ووجهة نظر الرئيس الذي سار في خطة مبرمجة ومرسومة لا يتوقف عند تعثرها إلا للتساؤل: «لماذا يكرهوننا»؟
نقل الرئيس بوش العالم إلى «غراوند زيرو» (مكان سقوط البرجين) بدل ان ينقل الأهداف المعاكسة لـ 11 سبتمبر الى العالم. ربط القضية الفلسطينية بالإرهاب وعمرها أكبر من عمره، وربط المقاومة اللبنانية بالإرهاب وعمرها من عمر الكرامة العربية الذي يراد له أن يكون قصيرا، وربط العالم العربي كله بشرق أوسط جديد لن يكتب له العمر ما دام قابعا في حضانة المحافظين الجدد، وربط بين حربه على الإرهاب وتأثير هذه الكلمة على الناخبين في الداخل فصارت كل القضايا... إرهابا.
من الجدار الإسرائيلي العازل الذي انفرد بالدفاع عنه دوليا، إلى القنابل الذكية التي تباهى بمنحها إلى الإسرائيليين كي يقتلوا أطفال لبنان، مرورا بأخطائه القاتلة في العراق، رسم سيد البيت الأبيض حمامة الحرب السوداء وكأنها العنصر الوحيد الذي خرج من رماد هذا اليوم القبيح... يوم 11 سبتمبر.
وبعد خمس سنوات أيضا، وعلى الضفة الأخرى، اتضح أن «الإدارة الجهادية» تحتاج إلى أكثر من البصر والبصيرة والقدرة على الاستماع والاستيعاب لتفسير هذيانها النحري والانتحاري الذي لم يعد لديه سوى مشروع واحد هو أن يستمر في أي وقت وأي ظرف وأي أرض، فمن «غزوتي واشنطن ونيويورك» إلى غزو الأبرياء في المملكة العربية السعودية وغزو السياح في مصر والأردن وغزو المدنيين في العراق وغزو الآمنين الأوروبيين في الطائرات والقطارات... لم يعد المشروع يتغذى سوى من الدم من أي فئة كان أو أي «زمرة».
ومثلما فعلت الإدارة «الأميركية»، ربطت الإدارة «الجهادية» قضايانا العادلة والمحقة بالإرهاب، فصارت طريق فلسطين تمر تارة من طريق الفتن بين الأديان وطورا بين أبناء الدين الواحد... وفي كل الأحيان تعبر أجساد الأبرياء الآمنين.
وبعد خمس سنوات، نحن أيضا لم نستوعب ما يجري، بدأنا نعطي النظريات للأميركيين بأن القوة وحدها لا تحل ظواهر الإرهاب والتطرف، وأن الانتقام ليس حلا، ثم وجدنا أنفسنا تلقائيا بين قضبان الرقم 11 متخلين عن دورنا في تصحيح المسار بدل أن تفلت الأمور منا بهذا الشكل فيصبح التطرف والإرهاب «ظاهرة عربية إسلامية» وتصبح مكافحته «مهمة أميركية».
بعد خمس سنوات، نريد أن نعترف أولا بوجود خلل وأن نفكر بشكل حضاري وعلمي وديني ووطني وإنساني في كيفية معالجة الخلل، وأن نجند بالتالي كل طاقاتنا من أجل هذه المعالجة، في الوقت الذي نستمر في رفض الخلل القائم على مستوى السياسة الدولية (والأميركية تحديداً) أخلاقيا وإنسانيا وماديا ومعنويا بحيث تتوازن رؤيتنا للأمور ونعدل ما أمكن في استخدامنا للمعايير... ففي معالجتنا الدقيقة لما حصل سنكتشف عيوبنا والثغرات التي أدت إلى نشوء هذه الظاهرة، لكننا سنكتشف أيضا على هوامش عيوبنا عيوبا كثيرة لغيرنا أدت إلى تأجيج الظاهرة وعسكرتها ودفعها نحو الهذيان العنفي.
الإرهابيون خطفوا الدين والقيم وخطفوا أمتهم معهم، والأميركيون صادروا الحرب على الإرهاب واحتكروها فخطفتنا الحرب أيضا، وبغير عودة الأمور إلى نصابها بحيث نملك كعرب ومسلمين مقومات التصدي ومعالجة الخلل فسنبقى أسرى الفرز بين المعسكرين، أسرى الرقم 11، فواحد زائد واحد صار يساوي 11 ... و11 يساوي بين الجلادين والضحايا من مختلف الاديان والجنسيات.
جاسم بودي