كابوس ليلة صيف


رأيت في ما يرى الصاحي كابوسا غريبا عجيبا.
رأيت بلدي الكويت قلقا من مستجدات تحيط به من كل حدب وصوب، ورأيت العرب والمسلمين منشغلين بقضايا لم ينشغلوا بها في تاريخهم وهم يرتبون امورهم الخاصة و«بيوتاتهم» الخاصة واقاليمهم الخاصة ومناطقهم الخاصة بأسلوب جديد شعاره براق ونتائجه دم مراق.
رأيت مخاوف صارت كانتونات، ومطالب صارت دويلات، وحقوقا صارت فيديراليات، ونضالا تحول عصبيات، وعصابات تحولت مناضلة... رأيت في «كابوس الصحو» متاريس جديدة بين الطوائف والمذاهب والمناطق والمجموعات والافراد، صدامات وانشقاقات ومواجهات بين الاقربين والابعدين في حراسة دولية مرموقة تحصي عدد الضحايا وتقدم الاغاثة لمن يحتاجها وتتلو من ساحات المعارك بيانات الإشادة بالحريات والحقوق الإنسانية وتصحيح الاوضاع التاريخية وسيطرة الغالبية وضمان حقوق الاقلية.
رأيت في ما يرى الصاحي كابوسا غريبا عجيبا، رأيت نفسي في غرفة زجاجية تعرض شاشاتها مشاهد مثلثة الابعاد بحيث شعرت انني وغيري في وسط الحدث:
حرائق في الشمال متعددة الاتجاهات والمصادر غيرت الخرائط وشكل الارض ومنازل الجيران.
نار تحت الرماد في الجنوب تنتظر المحامي الدولي لاذكائها، وتنتظر محكمة العدل «الظاهري» لاضفاء شرعية على لهيبها من دماء الفتنة والتطرف والعزف على اوتار «التقاسيم» المذهبية.
جبهات متحفزة شرقا، اسلحتها حتى الآن إعلامية وسياسية واقتصادية وضغوط وعقوبات، تنتظر الظرف المناسب والتوقيت المدروس لتتحول ذَّرية نووية غبارها الاصفر القاتل ينهي الخلاف على تسمية الخليج ويوحده بتسمية جديدة...«خليج الموت».
ريح سوداء تنقل اعاصير الارهاب في كل الاتجاهات، زرع بويضتها رئيس مافيا الحرب الباردة وترعرعت في رحم جهلنا وبساطتنا واخطائنا وبعض مساجدنا ومنابرنا... واحترامنا للتحالفات «الصديقة».
التاجر المسلح بنجمته السداسية، ما غيره، يصول ويجول في اسواقنا، في يده ورقة تعاون مع توقيع «لا مانع» من العم سام وفي الاخرى رسم صغير لمفاعل ديمونا برؤوسه النووية المئة، يسلفنا الوهم بفائدة عالية ويشتري منا الحقوق بسندات الربا الدولية ويطلب الينا «معزبه» ان نكون «واقعيين» و«عصريين» ونتصادق معه كي لا نخسر موقعنا في العولمة!.
قرارات يأخذها طرف وينفذها آخرون، مجموعات بشرية عربية تمشي في طريق بدايته مفروشة بالورود ونهايته مسكونة بالألغام، معايير جديدة للحقوق والحروب والطبول والاحتلال والمقاومة...
رأيت في ما يرى الصاحي كوابيس كثيرة لم يوقظني منها سوى حجر اصاب الغرفة الزجاجية التي كنت اجلس فيها، قدَّر الخبراء انه ناجم عن تطاير الحصى بعد انفجار عبوة قريبة او انتحاري «قريب».
...الحمد لله انه كان كابوسا، الحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه فهو خير حافظ وهو أرحم الراحمين.
جاسم بودي