نجيب ميقاتي

تصغير
تكبير
بعد انجلاء غبار معركة انتخابات بيروت وجنوب لبنان، وهدوء الاحتفالات وارتياح الاكف وهتافات الفائزين، وانهمار الاشادات العربية والدولية بنجاح المرحلتين الاولى والثانية من الاستحقاق الديموقراطي اللبناني، المترافقة مع تأكيد فرق المراقبين الاوروبيين بأنهما اجريتا وفق معايير عالية المستويات من النزاهة والشفافية ... لابد من كلمة. عرفت رجل الأعمال قبل سنوات طويلة، زارنا مرة في الكويت وأخبرني عن مشروعه لمواكبة ثورة الاتصالات، يوم كان المهتمون في العالم العربي بهذه الثورة يعدون على اصابع اليد الواحدة. تحدث عن مخاطر البدايات والاثمان المحتملة ومحاذير التجربة، كون التكاليف الاولية باهظة، لكنه كان ايضا واثقا من خياره، لإيمانه بأن لغة العصر اقتصاديا وعلميا وسياسيا ستسود في اطار تسوية توازن بين التكاليف من جهة، والحاجات من جهة اخرى، وواثقا من انه سيجني ثمار ما زرع. وعرفت وزيرا نأى بنفسه عن محاور التشكيلات الحكومية اللبنانية المعتادة، لم يقف في منتصف الطريق كما يحلو للبعض استسهال التصنيف، حتى ولو كان ملتزما خطا وطنيا وإقليميا معينا... وقف مع خيار البناء والاعمار وتعميق الوحدة واعتبار علاقات لبنان العربية والدولية جزءا من الامن القومي. وعرفت نائبا كرس كل جهوده لتعميق مفهوم المواطنة لا مفهوم الطائفة، أملا في الوصول الى مرحلة من الحصانة الشعبية والمجتمعية لمنطق الوصاية الدائم، كما عرفته مخلصا محاربا من اجل شؤون منطقته... وربما لم يحن الوقت بعد لكشف الجهود التي بذلها على هذا الصعيد في جولاته الخليجية السابقة. وعرفت سياسيا لبنانيا في لبنان، مؤمنا بالعلاقات الحضارية مع سورية، ولم اعرفه سياسيا سوريا في لبنان مؤمنا بالعلاقات الامنية والاستخباراتية والمصلحية مع سورية، ولذلك تغير كثيرون وغيروا خياراتهم وفق تغير الظروف، بينما بقي هو على مواقفه... وتحت الشمس. وعرفت سياسيا وفيا للشهيد رفيق الحريري، يقول له كل الملاحظات في الوجه ويرفض ان يطعنه في الظهر، وحليفا اساسيا لمشروع الشهيد الحريري الاقتصادي والاعماري، يتفاعل مع ايجابياته بحماسة وفاعلية، ويعمل على مواجهة شوائبه بحماسة وفاعلية...، وعندما زار ضريحه مستلهما من الصمت رؤية سياسية فإنما فعل لأن مهابة الصمت كافية لكشف عمق العلاقة بين الرجلين. وعرفت ليس رئيسا للحكومة فحسب، بل رئيس لحكومة انقاذ لبنان بعد زلزال استشهاد الحريري وسعي كثيرين لـ «استشهاد» لبنان. ولا بد من القول ان الالتزام الذي اظهره الرجل بكل كلمة قالها قبل توليه المسؤولية هو التزام غريب على الحياة السياسية العربية لم تشهده من قبل، سواء لجهة اسراعه في تحديد موعد لإجراء الانتخابات والنأي بنفسه عن الترشح لها، أو لإقالة رؤساء الاجهزة الامنية، أو لتسهيل مهمة لجنة التحقيق الدولية في اغتيال الشهيد الحريري، أو لإخراج تركيبة حكومية تضم وجوها تحظى بالثقة، او لاستكمال انسحاب الجيش السوري وتخفيف الاحتقان السياسي في العلاقات بين البلدين... امور كثيرة حصلت اشبه بعملية جراحية شديدة التعقيد لا يتوقع احد نجاحها بنسبة كبيرة، إلا انه اجراها (حتى الآن) بهدوء وثقة واقتدار. قد يقول قائل ان تقاطعا عربيا (سعوديا وخليجيا ومصريا) ودوليا (أميركيا وفرنسيا) فرض على تقاطع اصغر لبناني- سوري تسوية وضعت عناوين عامة لإخراج لبنان من ازمته، واختير ميقاتي لادارة هذه العناوين، وقد يقال غير ذلك في منطقة امتهنت الكلام لا الفعل... ومع ذلك فهذا الكلام يضيف الى رصيد الرجل ولا يأخذ منه. عرفت ميقاتي رجل أعمال وسياسياً ووزيراً ونائباً ورئيساً للحكومة... وفي كل مواقعه كان واحداً منسجما مع نفسه وأخلاقه. جاسم بودي
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي