لص بغداد


منظر اللص المسلح في بغداد وهو يهتف لأميركا بينما يحمل في يده جهاز تلفزيون مسروقاً، يخدم العهد البائد و«خدامه» الذين روجوا لنظرية: صدام أو الفوضى والتقسيم... ولا شك في أن المنظر لا يخدم الولايات المتحدة مهما هتفوا لها.
سقوط بغداد من دون أن ينتحر أحد على أسوارها كما هدد صدام، نتمناه سقوطاً لأسوار الوهم في المراهنة على أنظمة كهذه لم تزرع غير الإذلال المبرمج لشعب، ولم تحصد غير التخلي منه.
وسقوط بغداد، نريده ارتفاعاً لعراق جديد وطني، عربي، حر، ديموقراطي. عراق يعرف كيف يوظف مقدراته في خدمة شعبه ويعرف كيف يزيل آثار عدوان سلطة غاشمة دفعت بالبلاد والعباد في أتون مغامرات تدميرية.
نريد عراقاً يمسك بيده مفاتيح سيادته، ويحرك باليد الأخرى عجلة التنمية. عراق يسمو على الجراح، فلا يترك للغضب والانتقام والثأر والحقد أن تؤسس لانقسامات اجتماعية تطيل أمد الوجود الأجنبي وتكرس نظرية «الرشد الغائب» للعرب.
نريد عراقاً مستنيراً، يعطي الدروس في العراقة والتقدم ولا يتلقاها. عراق ينسى المعارك وأمها وأباها، ولا يهتم إلا بإنسانه المثخن بالجراح والخوف. هذا الإنسان الذي كان أكثر صور الحرب إيلاماً وأوقعها دوياً، وكم آلمنا وأحزننا ككويتيين أن تنفتح مملكة الخوف على شقيق من لحمنا ودمنا، وفي دولة يفترض أن تكون الأكثر ثراء بين دول العرب، وهو لا يملك غير الهتاف الإجباري غذاء وغير الصور والتماثيل دواء.
صعب أن تفرز الحرب إدارة عراقية فورية تنظم الأوضاع، فما دمّره النظام السابق من بنى سياسية واقتصادية واجتماعية يفوق الوصف، لكن الأصعب أن تترك الأمور التنظيمية للأميركيين، وانتظار نتائج صراع عشيرتي «الخارجية» و«الدفاع» على الحقائب والحصص وعقود إعادة الإعمار.
الأميركيون ليسوا جمعية خيرية، والجميع يعرف أنهم يريدون ثمن ما قاموا به، وهم أنفسهم يجهرون بأن شهيتهم مفتوحة لما بعد العراق. ووحده النموذج العراقي الوطني التوحيدي الديموقراطي الحر يستطيع اختصار الثمن ولجم الشهية.
بلاد ما بين النهرين ليست محصورة بين خيارين: نظام قمعي ظلامي أو إدارة أجنبية مدنية وعسكرية.
والسلطة في بلاد ما بين النهرين يجب ألا تكون أيضاً محصورة بين خيارين: القصر أو القبر.
والعراقيون مطالبون بمؤتمر وطني موسع يعقد في بغداد لتكريس سيادتهم ووحدتهم وإدارتهم المطلقة لمقدرات بلادهم... وإذا لم يحصل ذلك، ف الذي كان من رموز النظام بالأمس ومن رموز الفوضى والانتقام اليوم، قد يتكرّس مستقبلاً لصاً للمقدرات والإرادات متعدد الوجوه والجنسيات.
جاسم بودي