الذهاب إلى بغداد والعودة إلى ...؟

تصغير
تكبير
اتجاهان في الطريق إلى بغداد: ذهاب وعودة. هكذا قال المسؤولون الفاعلون في القرار الأميركي، لأنهم ربطوا، أمام صاحب القرار، الموضوع العراقي بالحملة على الإرهاب بـ «الشرق الأوسط الجديد». في الذهاب، نزع أسلحة ووقف تهديدات وإسقاط نظام وإقامة آخر «ديموقراطي». وفي الإياب، نقل هذا النظام «الديموقراطي» إلى مناطق عربية أخرى، بتعليب التجربة وإسقاطها بالمظلات إلى الشعوب المحتاجة كما أسقطت المواد الغذائية على الجائعين في أفغانستان. وعندما يقول صقور الادارة و«نجوم» المرحلة أن النظام المقبل في العراق سيكون النموذج الديموقراطي لكل دول المنطقة، فإنهم لا يختلفون كثيراً عن دعاة الوحدة «البسماركية» العربية الذين اعتبروا هذه الدولة أو تلك التجربة، «الإقليم-القاعدة» والنموذج الذي يجب أن يحتذى به عربياً لقيام منظومة تواجه التحديات الدولية. طريق الذهاب في الحملة على العراق يمكن تلمس معالمه، حتى الأكثر وعورة منها، أي الوصول إلى تغيير النظام، ويخطئ من يظن أن في هذا الطريق ما يعيق الولايات المتحدة من حواجز عربية أو دولية، فالأولى لا وجود لها والثانية تفككها كاسحة ألغام المصالح. أما طريق العودة من العراق، فيبدو أنه الهدف الأكبر للحملة بل المسار الأساسي في استراتيجية القضاء على الإرهاب التي قال الرئيس جورج بوش إنها قد تستمر عشر سنوات فيما قال آخرون إنها تحتاج إلى ثلاثين. ومن نافل القول إن ضرب تنظيم «القاعدة» لا يحتاج إلى عشر سنوات وان تغيير النظام في العراق لا يحتاج إلى ثلاثين. قد تكون «خريطة الطريق» العراقية المدخل الأساسي لـ «خريطة الطريق» الشرق أوسطية، وقد تبدو «خريطة الطريق» التي حملتها واشنطن إلى الفلسطينيين والإسرائيليين هي التفصيل الهامشي لما سيحصل أو «التحصيل الحاصل»، ومن يقرأ جيداً المقاربات الأميركية لأزمات المنطقة ووضعها عوامل المقاومة والدين والتطرف والإرهاب والمناهج والديموقراطية والعنف والقيم والسياسة والاستسلام وحقوق الإنسان وتقرير المصير في موقف واحد واتجاه واحد يستنتج أن الخريطة واحدة مهما اختلفت تضاريسها. «العراق المقبل سيكون النموذج للمنطقة»... هكذا قالوا، أي إن المنطقة ستُخطف سياسياً في انتظار الولادة الجديدة للنموذج المنتظر، تماماً كما خُطفت آمال العرب في التنمية والتقدم والتحرير انتظاراً لوحدة فوقية لم تأت. وفي الحالتين، نعود إلى مختبر التجربة والخطأ فيتلاقى العالمان، المتحضر والمتخلف، على الانتقاص من آدميتنا لمصلحة فكرة يمكن أن تجد طريقها إلى النور ويمكن أن تتوه في منتصف الطريق على أطلال كل الدمار الذي خلفته. ومثلما أن النظام الثوري العربي لم يستطع بسياسات الوحدة والتحرير أن يوحد أو يحرّر، فإن «النظام الثوري الأميركي» الحالي لن يستطيع بقاذفات الـ «بي 52» أن يقيم ديموقراطية في العراق تكون النموذج لدول المنطقة، لأن النظامين يشتركان فعلاً في تغييب صاحب المصلحة في التغيير. الخريطة، إذاً، تكتمل معالمها شيئاً فشيئاَ، وما شيّده أقطاب التحالف الثلاثي اليميني في واشنطن يكتسب اليوم قوته من وهج الحروب والانتصارات وحاملات الطائرات، إلا أنه قد يتراجع في لحظات الاختبار الحقيقية إلى حدود الوهم، بعدما يدرك أصحاب الرؤوس الحامية أن المشكلة أبعد من رحيل ديكتاتور وأعقد من تدمير أسلحة. كانت القدمان الأميركيتان في الخليج والذراعان الأميركيتان فوق العراق، وعندما تصبح هاتان القدمان في العراق لا نستبعد أن يعود الذراعان إلى فضاء الخليج لاستكمال المرحلة الثالثة مما يسمى «الحرب على الإرهاب»، أي اعتماد «النموذج الديموقراطي» الوليد في المنطقة، بالفكر، بالتطبيق، بالحرائق، بالخرائط، بالعقوبات، بالإقناع، باستخدام سلاح النفط (ضدنا هذه المرة ) بمقولة: «تغير أو تتغير»، فماذا تعني عناصر الدين والهوية والانتماء والقيم والتراث والثقافة أمام رؤية سيد العالم لنظام شرق أوسطي جديد خالٍ من مقومات التطرف؟ هل نبالغ؟ جاسم بودي
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي