عدوى الاستقرار أفضل من عدوى النار


من دماء الإمام على عتبات الإمام رسالة: لا تقتلوا من فاز بالحسنيين مرتين، مرة باغتياله وأخرى باغتيال مشروعه، فالغدر مذهبه الخسة، والإرهاب دينه الإجرام، ولم يكن السيد الحكيم ليقضي لولا انحيازه لوحدة العراق وسيادته وحريته وديموقراطيته.
ومن «رسالة» النجف الدامية إلى «رسائل» تفجيرات الشمال والوسط والجنوب... أسئلة: من يقف وراءها؟ من يخطط؟ ينفذ؟ ما هي أهدافه؟...
أسئلة كثيرة تُختصر إجاباتها بالنظرة إلى مستقبل العراق: هل سيكون نموذجاً للفوضى والتقسيم العرقي والمذهبي لتمتد ناره إلى دول الجوار؟ أم سيكون نموذجاً لديموقراطية حقيقية تحترم فيه الغالبية حقوق الأقليات وتتصالـح عروبته مع إنســانه أولاً ومع الجماعــات في الداخـل ومع العالم لتمتد تجربته - أيضاً - إلى دول الجوار؟
أي عراق نريد؟ الإجابة هي المدخل الأساسي لفهم طبيعة العمليات العسكرية التي تحصل ضد قوات التحالف والمنشآت النفطية والمرافق الاقتصادية والعلماء ودور العلم والعبادة والسفارات. بل المدخل الأساسي لفهم العلاقة بين هذه الحوادث وامتداداتها الاقليمية، فمن نافل القول ان «أيتام صدام» لم يعودوا بتلك القوة التي تمكنهم من التخريب العلني، فهم مطاردون من العراقيين الذين كانوا ضحاياهم، إضافة إلى أن أحداً ليس مستعداً للموت من أجل صدام حسين الذي كان أول المخربين... وأول الهاربين.
ما خلا محاولات بعثية فردية هنا أو هناك، يمكن القول ان المجموعات الأكثر عنفاً في المواجهة الآن تلك التي تضم عناصر غير عراقية، من «المجاهدين» الذين وجدوا في العراق ساحة سهلة بعدما سدت في وجوههم ساحات وطردوا من أخرى، ومن الذين غرر بهم وتطوعوا لـ «شرف القتال» في «ستالينغراد» العرب فوجدوا أنفسهم في العراء وخافوا العودة إلى بلادهم خشية الاعتقال. وبين هذه العناصر ما بينها من اختراقات أمنية لهذه الدولة أو تلك ولهذا الجهاز الاستخباري أو ذاك.
هنا، تتضح الصورة أكثر، فالذين يشجعون على الفوضى وعدم استقرار الأوضاع في العراق من دول الجوار لا يفعلون ذلك كرهاً بالأميركيين أو تلبية لواجب قومي أو ديني، فهم إما على علاقة تعاون ثنائية جيدة مع واشنطن أو يتوسلون سراً هذه العلاقة. هم يخشون استقراراً للأوضاع في ظل أجواء حرة ديموقراطية يمكن أن ينعكس، في تصورهم، سلباً على استقرار طريقتهم في الحكم. ولنا في مصائر الدول التي كان يمكن أن تشكل نموذجاً للتعايش والتعددية والحريات أكبر مثال، من لبنان الذي عصفت به حروب الداخل والخارج، إلى الكويت التي ضربتها أيادي الارهاب في الداخل قبل أن تتعرض لاجتياح مـن الخـارج... ثم اكتشف الجميع أن حماية هذين النموذجين (اللبناني والكويتي) وتطويرهما والاستفادة منهما هو في العمق لمصلحة العرب ونظامهم الآخذ في التآكل.
«خراب البصرة» سيعني بالضرورة خراباً للآخرين، فإشعال النار سهل والسيطرة عليها صعبة، و«بناء البصرة» لا يعني بالضرورة إضعافاً للآخرين، خصوصاً لمن يملكون البصر والبصيرة، لأن البناء والتنمية والحريات والديموقراطية وتطوير مؤسسات المجتمع المدني والعدالة والقضاء النزيه والمساواة وحقوق الانسان... عوامل قوة للأوطان لا عوامل إنهاك، وعوامل ستفرض نفسها مهما واجهت من سدود، والأفضل الأفضل أن يخسر الحاكم بعضاً من امتيازاته المطلقة في بلد منتصر على أن يربح في بلد منكسر.
من دماء الإمام على عتبات الإمام، ومن حطام كل جوانب المشهد العراقي الحالي، ومن كل أخطاء وخطايا الأميركيين الذين لم يتعلموا شيئاً ولا يريدون أن يتعلموا... يبقى الإنسان العراقي في الصورة العنصر الوحيد في الرهان، فإما أن يبني النموذج النقيض لما كان عليه نموذج صدام وغيره، وإما أن يهدم الآمال لمصلحة المراهنين على استمرار نموذج صدام، فيبقى العراق رهين المحبسين: الاحتلال الخارجي... والداخلي.
جاسم بودي