صباح الخير مستر بلير

تصغير
تكبير
فاجأنا تصريح توني بلير، فيما لم يفاجئ أحداً تصريح ايمن الظواهري، فالثاني يقتات- هو ومن يمثل- من هذه المواقف، والأول يجسد - بما يمثل - النقيض التام لهذه المواقف في المعنى والمبنى. والمفاجأة تكمن في طبيعة الرد اولا، وفي مضمونه ثانيا، وفي المواقف الانفعالية التي تخللته ثالثا ورابعا وخامسا... فأن ترد على خطاب ظلامي يتباهى بالدعوة الى القتل والاجرام ويتفاخر بالتهديد بمزيد من التفجير للآمنين، يعني انك تعطي الخطاب وصاحبه زخما قائما على ان رسالته وصلت وساوت في تأثيرها الصدامي تأثير رسالات المتحضرين، الداعية الى العقل والمنطق والتعايش الحضاري والتسامح. وأن نؤسس على خطاب الظواهري للحديث عن جملة اجراءات انتقامية تبدأ بحق الاقامة وتنتهي بالابعاد، فكأنما نحقق (ولو من باب التحدي) جزءا من هذه المؤامرة المجنونة التي قلنا ونقول وسنبقى نقول إنها ضد المسلمين بالدرجة الاولى، وستنعكس وبالا عليهم في حرياتهم وحقوقهم، بل ووجودهم نفسه. وأن يتحدث المستر بلير بالانتقام اساسا فهو امر غريب على ادبيات السياسة البريطانية، التي قادت العالم في فترة من الفترات بالحكمة والعقل، ولم نكن نتمنى للعدوى الاميركية في ردود الفعل العشوائية ان تصل الى رأس الاسد العجوز، حتى لو وصلت ضربات الارهابيين الى جسمه. صباح الخير يا مستر بلير، كلنا معك في حزنك وحزن كل بريطاني الى اي دين انتمى، فالإجرام الذي حصل يفوق حدود التصور. وكلنا معك في ضرورة ان القانون يعلو ولا يعلى عليه، فالامم المتحضرة مثل بريطانيا سميت كذلك لأنها قامت واستقامت بالقانون... الحارس الفعلي للحريات. وكلنا معك في ضرورة ألا يتم استغلال القيم الانسانية العظيمة التي تمثلها امتكم، مثل حق الاقامة وحرية العمل والمعتقد، في الاساءة الى القيم نفسها، وإلى الذين يعيشون في ظلها، وكم كان الكثيرون - وجلهم من العرب والمسلمين - يحذرونكم سابقا من بعض الذين يستغلون الاقامة في بريطانيا للتعبئة والشحن والتحريض، وربما للتخطيط ايضا. وكلنا معك في ان الرد على الارهاب يجب ألا يقل ضراوة عن حجم الفعل نفسه... انما في المكان الصحيح والوجهة الصحيحة. ومع ذلك لم نكن نتمنى لخطابكم «غير المسبوق» ان يكون شبيها بخطاب الآخرين الانفعالي، وأنتم أدرى الناس بهم، بل لولاكم لكان في عالم ما بعد 11 سبتمبر مشاهد اخرى غير التي نراها حاليا، ولولاكم لما اقترن الوضع في العراق بآفاق حلول سياسية جسدتها الانتخابات وعمليات التوافق المستمرة على الدستور وشكل السلطة، رغم كل التفجيرات الامنية التي بقيت المناطق «البريطانية» في الجنوب في منأى نسبيا عنها، ولولاكم لما اقترنت الحرب على الارهاب بتعهدات قاطعة من الادارة الاميركية بإقامة دولة فلسطينية مستقلة. ، لا احد يقبل بربط حادث اجرامي في لندن بسبب آخر يجري في العراق او فلسطين، فالكويتيون عانوا من الربط الاجرامي عندما غزاهم صدام حسين، وربط غزوه بتحرير فلسطين، ومع ذلك علمتنا الامم الحية انها عندما تتعرض الى ازمة فإنها تواجه فورا الخطر المرحلي وتحمي مواطنيها - على اختلاف انتماءاتهم - ثم تخوض معركة اساسية مع جذور هذه الازمة لخلق جو من المناعة الاخلاقية والاجتماعية يحول دون تكرار ما حصل... وفي هذا المجال لا نخالكم غافلين عن تحديات العدل المفروضة عليكم في اكثر من منطقة في العالم، ولا عن المسؤوليات الملقاة على عاتقكم في التصدي لظواهر التطرف بشكل عام، ولدى مختلف الديانات وفي مختلف المناطق، لأن التطرف يستنسخ ذاته، خصوصا اذا تم تاريخيا التغاضي عنه والقفز فوق موازين العدل. ، ظاهر التطرف الذي تحاربونه الآن معروفة هويته في الشكل، اما جذوره العميقة فتختلف تماما في المضمون ونعتقد جازمين انكم تشخصون تماما طبيعة الازمة ولا تقفون عند حدود الظاهر كما يفعل حليفكم الاساسي. صباح الخير... لأننا نريد لصباحاتكم وصباحات العالم ان تبقى دائما مقرونة بالخير. جاسم بودي
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي