يا ولي الأمر... آن أوان التعديل

تصغير
تكبير
بعض الديموقراطية أفضل من غيابها، ونعمة الدستور أفضل بالطبع من نقمة الحكم الفردي، والكويت متقدمة كثيراً على غيرها من دول المنطقة في قيام مؤسسات وبرلمان وفصل سلطات... ومع ذلك، لا بد من التوقف أمام التطورات والدعوة إلى مراجعة شاملة وإطلاق الصوت العالي قبل أن تنهار التجربة بفضل الثغرات الكثيرة التي شابتها. ديموقراطية الكويت بدأت بتنصيب أهل الكويت صباح الأول حاكماً عليهم بأسلوب ديموقراطي لا بحد السيف قبل 245 سنة. إرتضينا «عقد الشراكة» شعباً وحكاماً، وأصبحت تجربتنا لوحة جميلة ثمينة نعيش معها بفرحنا وتعبنا وآمالنا ونراهن عليها لمستقبل أبنائنا. في 1962، كان لابد من إطار يصون هذه اللوحة ويحميها، فأكمل الدستور مشهد ألوانها وانسجم معها، بل كان ضرورة لابد منها لحفظ الإرث. وكلما تقدم الزمن، زادت قيمة هذه اللوحة وازددنا تعلقاً بها خصوصاً أن المشهد العام في المحيط لم يرق إلى جمالها. أما الإطار فشاخ مع السنين، لغياب الصيانة والتعديلات الضرورية، وصار الحفاظ على اللوحة نفسها للأجيال المقبلة أمراً محفوفاً بالرهانات والمخاطر. عثرات التجربة لجمت عجلات الحكم، وها هي القوانين والمشاريع التي تهم كل بيت إما مجمدة وإما معطلة وإما معلنة على رائحة الصفقات والتسويات وتوازن القوى وعوامل الضغط. ناهيك عن «أصحاب مصالح» و«طموحات»، من داخل النظام وخارجه، جندوا كل إمكاناتهم لتشويه الصيغة ومسخها وتجميدها. لن نتوقف عند «موقعة» الاستجواب لنقول إنها كشفت كل الخلل. هي كانت جزءاً منه ونتائجها طبيعية. فبدل أن تخضع هذه الأمور، كما في أعرق الديموقراطيات، لآليات، بعضها دستوري-قانوني وبعضها الآخر يتعلق بالتقدير السياسي لمصالح البلاد العليا، وجدناها في إطار الحسابات الشخصية والقبلية والمذهبية، وفي إطار ضعف الحكومة التي يبدو أنها لم تعد تعرف سوى آلية واحدة: استقطاب النواب. الحديث عن الخلل يحتاج إلى مجلدات، والخطورة، كل الخطورة، تكمن في إنسحاب قطاع كبير من الكويتيين من الحياة العامة، بمعنى اليأس من إمكانية التغيير والاقتناع بأنها «عوجة عوجة». وهذا الانسحاب يفقد، على المدى الطويل، الحكم أهم مقوماته، أي «عقد الشراكة» مع أصحاب المصلحة في الشراكة، ويحيله إلى «شركة عقود» تتنازعها خلافات مجلس إدارة مكوّن من فريقين: حكومة ومجلس. بعد أكثر من 40 عاماً من العمل في الدستور، وأكثر من 40 عاماً من التجربة بإيجابياتها وسلبياتها، وبعد أكثر من 40 عاماً من السير بين نظامين برلماني ورئاسي (ولنقل رئاسياً وراثياً) ما خلق حالاً غير مسبوقة في الديموقراطيات في العالم... أصبح من الضروري وجود خطوة استثنائية لتطوير الحياة السياسية في الكويت وتجنيبها الأزمات التي تمر بها خصوصاً في ما يتعلق بتوازن القوة بين حكومة ومجلس. جزء كبير من الأزمات سببه عدم وجود غالبية حكومية في المجلس، وهذا الأمر أضعف الحكومة وانعكس على أدائها وفترة ولايتها وعزوف الأكفاء عن الدخول إليها. جزء كبير من الأزمات سببه تقدم عوامل القبلية والعشائرية والمصالح الشخصية على العمل الحزبي السليم في وقت تنحسر هذه العوامل في مختلف أنحاء العالم لمصلحة المؤسسات، والسبب أن تطبيق الدستور فشل في تطوير العقليات ولم يؤسس لثقافة سياسية ــ دستورية، ما أنتج جيلاً من ابناء النظام ومن الشعب توارث عادات ما قبل الدستور ولم يبلغ مقصده التطويري ــ التحديثي. وجزء كبير أيضاً وأيضاً من الخلل يكمن في العقلية التي حكمت سلوك السياسيين في الحكومة أو البرلمان، فرغم أن المادة 174 من الدستور نصت على جواز اقتراح تعديله أو تعديل بعض مواده بما يتوافق طبعاً مع المصلحة العليا للبلاد وينسجم مع ضرورات العصر. إلا أن الدستور تحوّل مع الوقت ورقة في صراع المصالح والمواقع، يتذكرونه كواجهة ويستخدمونه في المواجهة ويتجاهلونه كموّجه. من هنا نقترح، مساهمة في حسابات التطوير، أن يشكل ولي الأمر ، رئيس كل السلطات ، بأمر أميري مجلساً من 40 عضواً (على سبيل المثال) يمثلون مختلف أطياف المجتمع الكويتي وقواه الفكرية والقانونية والاقتصادية والسياسية، هدفهم مراجعة التجربة، بما في ذلك الوقوف على نقاط الضعف والقوة في الدستور، لوضع تصور يتضمن أفضل التعديلات بغية تطوير النظام السياسي حتى لو اقتضى الامر الذهاب بعيدا في عملية التعديل، على أن تطرح تصوراتهم على استفتاء عام يشارك فيه أهل الكويت رجالاً ونساءً، ومن نافل القول بالطبع ان هذا المجلس يجب ان يعطى كل الصلاحيات للقيام بمهمته. وليكن واضحاً، أن أي فكرة يجب أن تُربط شرطاً بهدف التطوير، والتطوير نحو الأفضل، وأن الاستفتاء العام ضرورة حتى لا يترك مستقبل الكويت رهين علاقة بين سلطتين أسرتهما المصالح والخلافات، وان المكاسب الدستورية التي تحققت في الكويت هي ثروة يجب ان يبنى عليها لتتضاعف لا ان يسحب من رصيدها تحت اي ظرف أو حجة . والفكرة هنا ليست نشازاً في سياق اللوحة التي ورثناها. فالكويتيون يقررون مع الحاكم مصير تطوير مستقبلهم السياسي، والكويتيون يصوّتون على قراراتهم فيقبلونها أو يرفضونها أو يطرحون تعديلات وتصورات جديدة. هذا التطوير، أصبح ضرورة لصيانة العهد وتصليب العقد، ضرورة لتشخيص المرض وتضميد الجراح، ضرورة لتحديث المؤسسات وضمان مستقبل أفضل للديموقراطية وللنظام وللحكم وللكويتيين. ويا ولي الأمر، يا من وضع نصب عينيه تحديث الكويت ومستقبل أجيالها رغم أصعب الظروف، نناشدكم مرة أخرى النزول إلى ساحات الأمل لضمان الاستقرار السياسي ودفع عجلات التنمية... والأمر بيدكم. رئيس التحرير
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي