رسالة إلى روح محمد الدرة


أكتب هذه الكلمات بحبر الخجل والخيبة والعجز, أكتب اليك، لا لأعزي واستنكر وأشجب، فقد سمع أهلك وشعبك الكثير من ذلك على مدى الأعوام الخمسين, الا انني أردت فقط أن أقول: كم كانت صورة موتك تختصر مأساة الواقع الفلسطيني والعربي، وكم كنا - كعرب ومسلمين - في الجانب المظلم من الصورة.أنت الصبي ابن الأعوام الإثني عشر، العاجز إلا عن البكاء واحتضان الأرض، الأعزل الا من يد والدك تحجب عنك ما تستطيع من رصاص، البريء الذي ظلمته السياسة والجغرافيا فزورتا تاريخه وقهرتا حاضره, أنت الشهيد الذي نُحر بسلاح أميركي في يد جندي اسرائىلي أمام سمع العالم وبصره، فلم يلاق نحرك سوى التنديد والتنكيل والوعيد,,, ودموع العجز العاجزة عن غسل العار.محمد الدرة، درّة الشهداء الانقياء، واجهت بصمت، وصمدت بصمت، وسقطت على أرضك التي رفضت أن تغادرها حتى ميتاً, بعضهم سيحفر الصورة في وجدانه ليستحضرها في معركة القدس الشريف، وبعضهم سيطوف بالصورة فوق موائد السلام، وفي مهرجانات السياسة وداخل ملفات المفاوضين.كم كنت تختصرنا في حضورك واستشهادك, كم كنت تشبه أمتك الأسيرة في قفص الأزمات ولا حول لها ولا قوة, تموت وحيداً في حضن أب عاجز ينشد الإنقاذ لكنه لا يسمع سوى عبارات الأسى والحسرة من بعيد، بينما المبادرة - كل المبادرة - في يد من أطلق الرصاص ولم يميز في إجرامه بين طفل ومقاتل.لا يشعر بالظلم إلا من يكابده, ونحن في الكويت ظلمنا على يد من يفترض أنه «شقيق», ظلمنا ونحن ندعم الانتفاضة الفلسطينية الأولى بكل جوارحنا وإمكاناتنا, كان الجندي الاسرائىلي يكسر عظام الأطفال الفلسطينيين، بينما جار الشمال يعد العدة لكسر وطننا وإرادتنا ومستقبلنا, وتشاء المفارقة المؤلمة أن تتعمد بغداد توتير الوضع الحدودي باتهامات وتهديدات وإرسال متظاهرين في الوقت الذي تشتعل القدس بانتفاضة الأبطال المنتصرين للقبلة الاولى والحرم الشريف.لم تهدأ الانتفاضة يا محمد منذ اغتصاب فلسطين، لكن دم الأقصى أقسى فعلا, أهلنا في الأرض المحتلة ظلموا، إنما للحق ألف جولة، فالقدس وقف ديني وتاريخي وحضاري لكل عربي ومسلم، لا يملك أحد حق التفريط بمصيرها حتى قيام الساعة,,,وليراجع التاريخ من يحتاج فعلا الى ذلك، ليكتشف كم تعرضت القدس للغزوات وكيف عادت دائما حرة شامخة.سلام على روحك الطاهرة يا محمد، وعلى أرواح الشهداء أجمعين, لم تستطع أمتك إلا الاستنكار والدعوة الى قمة عربية لتخرج ببيان استنكار, لكن الغضب الساطع آت,,, إن لم يكن على أيدينا المغلولة بألف قيد، فعلى أيدي رفاقك الذين سيشبون على صورة موتك في زمن الهولوكست الاسرائىلي.سلام عليك يا محمد,,, وللقدس سلام آت.
رئيس التحرير