العـــم


اذا تحدثت عن رموز الخير، ليس في الكويت فحسب بل عربيا واسلاميا ودوليا، يتصدر «العم» عبد الله علي المطوع الصدارة. واذا تحدثت عن رموز الحكمة تنتفي صفة المقارنة الشخصية ويصبح العم هو الصفة التي يقارن الآخرون بها فيقال: «كن مثل العم عبد الله»... اي كن حكيما. واذا تحدثت عن العطاء بكل اهله تجد نفسك في مدرسة «ابو بدر» التي خرجت الآلاف بصمت وساعدت عشرات الآلاف بصمت وجاهدت بكل ما في الكلمة من معنى كي لا تعرف يسارها ما قدمت يمينها.
كان في قلب كل حدث يهم دينه ووطنه، يعمل بجهد واخلاص للقضايا الحقيقية تاركا لغيره التصريح والظهور الاعلامي. كان اللاعب الرئيسي في استنباط الحلول والتخطيط لها، يلجأ الى حكمته الكبار لتجاوز عثرات الطريق، ويحيط به الجميع لادراكهم ان قامته تتجرد من الانتماء الخاص الى الانتماء الانساني الاعم.
هو الجامع، المصلح، الاجتماعي، الانساني... عصرن رؤيته للالتزام فسبق الجميع في الطريقة والنتيجة. ادرك ان الانسان هو جوهر كل تحرك فوجه كل الطاقات نحوه، وادرك ان المشروع الاسلامي لا يستقيم من دون تصحيح وتصالح، تصحيح لبعض المفاهيم المتحجرة وتصالح مع لغة العصر السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وليس سرا ان «العم» ابو بدر كان متقدما على اقرانه من رموز المشروع نفسه عربيا واسلاميا والاقدر على الاستقطاب، مؤسسا لمدرسة جديدة من العمل الاسلامي والوطني والقومي.
عرفته عن قرب معرفة شخصية فكان لي بمثابة الوالد، لا يبخل علي بالنصح والارشاد ولا استغني عن آرائه في الكثير من الامور، وعرفته والدا للجميع ورمزا يقف على مسافة واحدة من الجميع، بمن فيهم الذين يخالفونه الرأي والمعتقد. وعرفه الكويتيون في مختلف المراحل والمحن مغلبا الاجماع والمصلحة الوطنية حتى ولو تعارض ذلك مع توجهات التيار السياسي الذي يستنير بتوجيهاته، فالأمة عنده بكل اطيافها اكبر من السياسة بكل مساراتها... والكبير لا ينحاز الا للقضايا الكبيرة.
وعرفته عن قرب، مهتما بايصال شربة ماء الى فقراء في قرية افريقية نائية اكثر من اهتمامه برسالة تلقاها من زعيم عربي او اسلامي يشكره على مشروع خيري او تنموي قام به في هذا البلد او ذاك.
وعرفته محاربا من اجل قضايا الاسلام والمسلمين، لا تدخل في حساباته مهابة الانظمة العربية من الحاكم الدولي الاوحد ولا ينتظر شهادة حسن سلوك عن صفاء العقيدة وبعدها عن التطرف والارهاب لا من الحاكم الدولي ولا من الانظمة العربية... الشهادة الوحيدة التي كان يؤمن بها ويسير بهديها هي شهادة التوحيد وما تفرع منها من قيم ومبادىء واصول.
الكثير سيكتب عن سيرة العم ابو بدر وما سيكتب لن يفي هذا الطود الشامخ حقه. العمل عنده عبادة والعلم عنده عبادة والحق عنده عبادة والالتزام عنده عبادة ومصلحة الكويت العليا عنده عبادة والعطاء والخير عبادة والتضامن الفاعل مع المسلمين في كل مكان ورفع صورة الاسلام الحضارية في العالم عبادة... عاش عبدا لله بكل قيم هذا التعبد في محراب النور ورحل مكفنا بسجل من نور.
جاسم بودي