عرفناك يا خادم الحرمين


ما من زعيم عربي ترك بصمة في تاريخ الجزيرة والمنطقة في العصر العربي الحديث مثلما فعل خادم الحرمين الشريفين الملك فهد.
وما من زعيم عربي تخلى عن فخامة اللقب طالبا اللجوء الى رحاب بيت الله خادما ومتعبدا وساهرا ومنجزا الا خادم الحرمين الشريفين الذي اعتبر لقبه الجديد ارقى انواع الحكم والحكمة.
وما من زعيم عربي جمع في سجاياه الكرم والشجاعة والواقعية وبعد النظر والتقرير السريع في الوقت الصحيح والتنفيذ الدقيق للقرار والتواصل مع الصغير والكبير واصالة الانتماء وحداثة الفكر والصدق... مثلما جمع الملك فهد.
مسؤولا مميزا ووزيرا مختلفا ووليا للعهد مبادرا على مختلف الصعد وملكا فاعلا ومتفاعلا مع هموم بلدك وأمتيك العربية والاسلامية، من توسعة الحرمين الشريفين الى كل مظاهر الحداثة في مختلف انحاء المملكة.
عرفناك في واقعيتك لحل الصراع في فلسطين من تحصين القدس وجعلها قضية القضايا الى المبادرة التي حوربت لدى اطلاقها وها هم الرافضون يتندمون اليوم على حربهم ويطمحون الى تحقيق نصف ما رفضوه.
وعرفناك في تصميمك على حل الازمة اللبنانية وليا للعهد وملكا، من مؤتمر الرياض الى مؤتمر الطائف وما تخلل هذه الفترة وتبعها من جهود لاعادة اعمار لبنان على قواعد الاستقرار.
وعرفناك في «فزعتك» التاريخية لتحرير الكويت من الغزو العراقي، يومها راهن كثيرون على قيود قد تحد من قرارك فلم تتردد ولم تتأخر... ها هي المملكة تفتح اراضيها واجواءها ومياهها لكل القوى الصديقة والشقيقة معبرا لاستعادة الكويت، وها هي المملكة تفتح قلبها قبل كل شيء للكويتيين قيادة ومواطنين وتشعرهم انهم في وطنهم الاول لا الثاني، وها هي الكويت تلتف موحدة منتصرة في جدة حول قيادتها الشرعية لارساء مبادئ مسيرة ما بعد العودة الى الوطن، العودة التي كان يراها كل من التقى خادم الحرمين الشريفين في بريق عيونه ونبرته الواثقة وابتسامة الثقة الهادئة على ثغره.
... وكم هي المفارقة مؤلمة أن نكتب عن رحيلك عشية الذكرى الخامسة عشرة للغزو العراقي للكويت.
يا خادم الحرمين، لم تشعر الكويت باليتم عندما استباحها عراق صدام حسين، ولم يشعر لبنان باليتم عندما استباحته الحرب والميليشيات المحلية وغير المحلية وغزته اسرائيل، ولم تشعر فلسطين باليتم عندما احتلتها النكبات تلو النكبات. كان العرب والمسلمون يتكئون على دعم معنوي كبير مثله حضورك وجسدته قامتك... اليوم يشعرون بيتم اللحظة، بغياب العزيز، برحيل الكبير، وعزاؤهم ان الامير عبد الله بن عبد العزيز الذي واكب مسيرتك زمنا طويلا وشاركك المسؤولية زمنا طويلا هو جزء من مسيرة الخير والشجاعة والعطاء والواقعية والتطوير والثبات على الحق، وهو سيف الجزيرة ودرعها في الوقت نفسه الذي سيحلق بالمملكة الى آفاق غير مسبوقة بالحداثة والعصرنة والمشاركة.
رحمة الله عليك يا فهد وألهم اخوانك وابناءك والسعوديين والعرب والمسلمين ومحبيك في كل انحاء العالم الصبر والسلوان.
جاسم بودي