2 ـــ 8 ـــ 1990 ليس كمثله تاريخ


يوم غيّر مجرى حياة الكويتيين وأحدث زلزالاً في المنطقة ما زالت توابعه قائمة على كل المستويات.
يوم ذكرنا على مدى الأعوام الثلاثة عشر الماضية بالقبح والغدر والاحتلال ومحاولات الإلغاء، ودفعنا إلى بناء حجر جديد في سور الخوف. كبلنا بأصفاد التوتر وأسرنا في زنزانة الهواجس وعاش معنا في قراراتنا وسياساتنا.
حاول الزلزال إلغاء الكويت ففشل، لكن توابعه نجحت في إضعاف الكويت اقتصادياً وتجميد الكثير من مشاريعها التنموية والسياسية ما ساهم في خسارتنا لمواقع كثيرة شغلها آخرون وتراجع دورنا الإقليمي والقومي.
2-8-2003
ذكرى مختلفة لتاريخ ثابت.
فمن أشعل النار بات طريداً تحاصره النار، والعراق بعد 9 ابريل غير عراق صدام حسين، والعراقيون يعيشون مرحلة التحرر من نظام أورثهم مقابر جماعية في الداخل ومجازر سياسية وعسكرية وإنسانية مع كل دول الجوار، وحصاراً دولياً.
أما الكويت ، فحري بها أن تقف عند الذكرى نفسها بنهج مختلف عما سبق. وإذا كان هاجس الدفاع حكم سلوكها السياسي فإن هاجس الحضور والتقدم يجب أن يحكم كل قراراتها وفي كل المجالات.
في 2-8-2003، المطلوب من صاحب القرار نهجاً جديداً تحكمه حدود ثلاثة:
1. إزالة آثار العدوان نفسياً وسياسياً واقتصادياً، فالنظام العراقي البائد توارى ولم يعد هناك ما يعيق إطلاق عملية تطبيع كاملة للحياة الكويتية.
لم يعد مفيداً إبقاء الهاجس الأمني أولوية على حساب القضايا الأخرى. الأمن ضرورة بل درع الوطن، لكن ورقة الاحتماء بهذه الضرورة لتعطيل قرارات أخرى أساسية تتعلق بالأمن الاقتصادي للكويتيين احترقت وبات من الضروري تجنيد كل الطاقات والإمكانات للحاق بالفرص الاستثمارية والاقتصادية التي أهدرت وتعويض ما أمكن منها، والاستفادة من الفرص الحالية الموجودة لتعود الكويت مركزاً مالياً ومصرفياً وصناعياً وتجاريا في المنطقة خصوصاً مع التطورات الأخيرة وعمليات الإعمار الضخمة التي ستحصل في العراق، ومن نافل القول أن الفرص المتاحة حالياً لن تتكرر.
2. الاستفادة من سقوط نظامٍ ديكتاتوري إرهابي بإطلاق عملية إصلاحات سياسية واسعة كي نحفظ للكويت مكاناً في نظام العلاقات الدولية المقبل. فهذه العلاقات لن ترتكز إلى الأبد على عوامل التعاون الأمني والسياسي في هذه المرحلة أو تلك، بل على عوامل ذاتية تتعلق بالكويت نفسها. ولا يغر الكويتيين رسائل الشكر والثناء والامتنان من سيد البيت الأبيض أو غيره، فمصالح الدول الكبرى هي صاحبة القرار الفعلي، والتجارب علمتنا أن استقرارنا الداخلي (بكل معانيه) هو الركيزة التي تمكننا من نسج علاقاتٍ مستقرةٍ مع الآخرين.
لا نريد أن نقع أسرى مقولة أن أي تطوير أو إصلاح أو تغيير الآن سيكون نتيجة ضغوط خارجية، أو أن الدول الكبرى أصبحت على أبوابنا بسلطتها وجيوشها، فإن لم نأخذ المبادرة ستأخذها هي. هذا الكلام (وإن كانت الواقعية السياسية تفرض مقاربته) يراد منه أيضاً شل حركتنا عن التقدم، وكأنه كتب علينا أن يبقى «الهاجس الخارجي» هو اللاعب الأساسي في الداخل.
الإصلاح والتطوير والتغيير ضرورات كويتية بالدرجة الأولى، من حقوق المرأة إلى حقول النفط، ومن التشريعات الحديثة إلى تعديل النظام الانتخابي، ومن توسيع المشاركة الشعبية وفتح الأبواب أمام الشباب إلى تطوير النظام الديموقراطي (الذي كنا أول من أشعل ناره في الخليج) وتعميق قيم التسامح والحوار والاعتدال ... اللائحة تطول والوقت لا يرحم.
3. تفعيل الدور الكويتي الخارجي الذي كان من أسلحة الكويت الأساسية ، ولا شك في أن المرحلة المقبلة تختلف عن مرحلتي ما قبل الغزو العراقي وما بعده. قبل الغزو كان الاندفاع الكويتي بلا حدود مع قضايا العرب ، وكانت القضية الفلسطينية والعدوان الإسرائيلي اليومي ضد الفلسطينيين ودول الطوق تشعل الوجدان والحماسة والتضامن. وبعد الغزو والآثار التي خلفها داخلياً على مختلف الصعد، وموقف عددٍ من الأنظمة العربية آنذاك، وتطورات القضية الفلسطينية سلماً وحرباً، والتحولات الدولية، وجد الدور الخارجي للكويت نفسه في الموقع النقيض لما كان عليه رغم استمراره في الحفاظ على الثوابت العربية .
ومع حبنا وتقديرنا واحترامنا والتزامنا القضايا العربية العادلة والمحقة ، فلا الاندفاع السابق كان صحيحاً في المطلق ، ولا الانكفاء الذي تلاه كان مفيداً. ولا شك في أن المرحلة المقبلة ستبنى على أساس التجربة الغنية للسياسة الخارجية الكويتية في مختلف المراحل والعقود، وهي السياسة التي قادها باقتدار الرئيس صباح الأحمد شيخ الديبلوماسيين في العالم ، خصوصاً أن الظروف الإقليمية والدولية تغيرت وأن التناغم بين بعدي السياسة الداخلية والاقتصــاد من جهـة وبين السياسة الخارجية من جهة أخرى ليس دونه عوائق... كما كان يحصل في السابق.
2-8 ليس كمثله تاريخ، لكنه أيضاً تاريخ مناسب لنثبت أننا نستحق مكانة في المستقبل.
جاسم بودي