أخطر ما في كلام بوش ... أســوأ ما في موقفــه


لم يكن الإحباط وحده هو العنوان الأبرز لتعليق الرئيس جورج بوش على التطورات الأخيرة في رام الله ... كان هناك ما هو أخطر.
تحدث بوش عن حق إسرائيل في الدفاع عن أمن الوطن (وهي العبارة التي استخدمها دائماً بعد 11 سبتمبر للحديث عن رد فعل الولايات المتحدة) وتفهم الإجراءات التي اتخذتها، وطلب من ياسر عرفات بذل المزيد من الجهود «لوقف العمليات الانتحارية».
الى هنا، يمكن تفسير التعليق الأميركي في إطار المواقف الملتزمة أمن إسرائيل والمتعاطفة تاريخياً معها. ويمكن الحديث عن إحباط عربي مستمر نتيجة التغاضي عن «احتلال» والتركيز على «القنابل البشرية» الفلسطينية. لكن بوش توسع في الكلام عن الحملة على الإرهاب، وربط بين قيادة بلاده لهذه الحملة وبين ما يجري في الأراضي المحتلة وكأنه، تلميحاً ومباشرة، يريد إخراج القضية الفلسطينية من إطار الصراع مع المحتل الإسرائيلي إلى إطار الحرب على الإرهاب.
أشاد بوش بالديموقراطية الإسرائيلية عندما سئل إذا كان طلب من شارون الانسحاب، ثم تحدث مباشرة عن المنظمات الإرهابية و«من يدعمها»، وتطرق إلى إيران وسورية طالباً من الأولى وقف دعم الإرهاب ومن الثانية التدخل. وقال إن الحرب على الإرهاب لم تنته بانتهاء العمليات في أفغانستان، وهي مستمرة في أماكن أخرى «حتى يقتنع الإرهابيون ومن وراءهم بأننا لن نسمح لهم بتنفيذ مخططاتهم».
توقف الزمن عند الرئيس بوش في 11 سبتمبر، نسي أن القضية الفلسطينية ولدت قبل مولده وأنها عاشت في أحلك الظروف وأكثرها ضراوة، وان هؤلاء الذين يصفهم بالإرهابيين عانوا من إرهاب الدولة لمدة 55 عاماً ومازالوا. طُردوا وطُوردوا وشُردوا وقُتلوا وجُردوا من أبسط حقوقهم الإنسانية وقضوا غرباء في أوطان الآخرين، بل في مخيمات الآخرين.
أخطر ما في كلام بوش أن الإدارة الأميركية لا تريد مقاربة قضية الشرق الأوسط إلا من تاريخ 11 سبتمبر، فالعرب بالنسبة إليها يمكنهم فقط الوقوف في موقع المدافع عن النفس لأن مجموعة تنتمي إلى هذا العرق ارتكبت واحدة من أبشع جرائم القرن. والرئيس بوش، كما أسامة بن لادن، قسم العالم إلى فسطاطين: فسطاط الإرهاب وفسطاط مواجهته. وهو في تعليقه الأخير يدرج قضية فلسطين في تقسيمه الجديد، فيتحدث عن «إرهاب» وعن «ديموقراطية» تحاربه.
أخطر ما في كلام بوش أنه يريد نقل قضية فلسطين من منطقة الشرق الأوسط إلى «غراوند زيرو» في نيويورك (حيث كان مقر مركز التجارة العالمي ) وتفويض مركز الإرهاب الدولي إسرائيل «تربية» هؤلاء الذين «سمحت مناهجهم ومدارسهم وقيمهم» لمجموعة الـ 19 أن تخطف الطائرات وتفجر.
أخطر ما في كلام بوش أن جزاراً مثل شارون أجمع «العالم الحر» على إجرامه، ربط بين اعتدائه على مدنيين واغتصابه أرضا ليست له وبين تفجيرات نيويورك.
وربما كان أخطر ما في كلام بوش على الإطلاق أن العرب كأنظمة صدقوا أنهم في فسطاط الإرهاب ولم يعد لديهم سوى النحيب تأثراً بقنابل الغاز التي ترمى على أبواب مكتب عرفات.
رئيس التحرير