بين الإثارة والمسؤولية


من السهل أن نشهد اليوم مع انعقاد جلسة مجلس الأمة الأسبوعية فصلا جديداً من مسرحية عرض العضلات وافتعال البطولات في مكان أصبح أحياناً أشبه بسوق عكاظ منه بمنبر للتشريع والنقاش الرصين.
وحبذا لو يبتعد بعض النواب المتحمسين عن مواضيع الإثارة ومشاريع القوانين المثيرة ـ أحياناً للاشمئزاز ـ فيناقشوا بعمق وهدوء مسألة الجريمة في الكويت وتكرار جرائم القتل والسلب والسرقة والعنف المجاني وخصوصاً مسألة هروب السجناء من السجن، وهي ظاهرة تتكرر وأبطالها تارة جماعة وأحياناً أفراد خطرون.
ولعل في مناقشة ظاهرة الفرار هذه وضعاً للاصبع على جرح السؤال: إذا كان هروب سجين أو سجناء عاديين مسألة عادية، فهل هروب محكوم بالإعدام من السجن مسألة تندرج في ذات السياق؟
وبقدر ما يهم المواطنين أن يسأل النواب عن الأمن المستباح في البلد حين يفر مجرم خطير من السجن، بقدر ما يهم هؤلاء المواطنين ألاّ ينساق السائلون الى إلقاء التهم جزافاً، والاستعاضة عن المساءلة المسؤولة بعلو الصوت وارتفاع الصراخ والاتهامات لوزارة الداخلية، وهو أسلوب أكثر دلالة الى الاستباحة من هرب محكوم أو ارتكاب جريمة فردية أو تفشي ظاهرة العنف.
قد تكون وزارة الداخلية ملامة على تقصير أو إهمال أو اختراق، وربما توجَّب على هذا التقصير لو ثبتت خطورته استقالة الوزير وإقصاء القيادات، لكن في هذه الحال تبقى الحكومة كلها مسؤولة، وكلها تحت سيف اللوم والحساب، وتشملها الإدانة بالتضامن والتكافل، لأن من يدان هنا هو أسلوب التراخي في السياسة، والضعف في الالتزام، والنقص في الهيبة.
ما نشهده اليوم من ظواهر سلبية بينها جرائم القتل وجرائم فرار المحكومين من السجن يرجع في جزء كبير منه الى آثار الغزو السلبية اجتماعياً واقتصادياً ومناقبياً، وهي آثار طالب العقلاء الكويتيون دائماً بمعالجتها في شكل علمي وجدي، ولم تلق مطالباتهم سوى الاستخفاف والإعراض، وكأن مشاكل البلاد حلت بتحريرها، وكأن مجتمعنا بات «جمهورية فاضلة»، فوصلنا الى ما وصلنا اليه الآن.
لا يطلب الكويتيون من ممثلي الأمة أكثر من ممارسة واجباتهم، ولا يريدون منهم جهداً مضنياً يبذلونه لابتداع حلول. كل ما يبغونه منهم ان يسلكوا سلوك المشرعين تحت قبة برلمان، وأن يفوا بوعود قطعوها لناخبيهم، فيسألوا الحكومة عن أمور خطيرة مثل الجريمة وفرار المجرمين، كونهما يمسّان أمن البلد وصورته واستقراره، ويناقشوا بعمق ومسؤولية مسائل تتوجب مناقشتها بعيداً عن المزايدات السخيفة لكسب شخصي أو حزبي أو مذهبي يلجأ إليها بعض نوابنا، وللأسف، بعض وزرائنا أيضاً، متناسين ان الكويت تواجه تحديات وأطماعاً ولديها أولويات أهم من مشاريع قوانين تتمايل على أنغام القشور وتعزف على غريب الأوتار.
رئيس التحرير