انتفاضة ديبلوماسية


كلمة الشيخ صباح الأحمد في افتتاح ندوة مستقبل العلاقات العربية تستحق أن توصف بأنها مطالعة سياسية راقية تصلح للكويت مثلما تصلح لأي دولة عربية، وفيها من الكلام الديبلوماسي الهادئ قدر ما فيها من المواقف الحاسمة.
في كلمة الشيخ صباح أول من أمس وفي تصريحاته عقبها مستويان من الكلام لا ينفصلان: الأول مستوى المبادئ والنظرية والثاني مستوى التطبيق والفعل. في الأول يحدد رئيس الوزراء بالنيابة استراتيجية الكويت وقناعاتها في العلاقات بين الدول المتحضرة. وفي الثاني منعطف سياسي يحسم جدلا في الكويت استمر سنوات.
فالشيخ صباح بإطلاقه قول: «لنطوِ تعبير دول الضد» طوى صفحة من الديبلوماسية الكويتية تداخلت فيها الجروح مع السياسة، والانفعالات المشروعة مع مواقف الدولة، وبذلك فتح كتاباً جديداً يتسم بالثقة بالنفس والنضج والتطلع إلى المستقبل... صحيح ان عبارة «دول الضد تسمية يجب أن يطويها النسيان» تأخرت، لكنها جاءت أخيراً، حين نضجت الظروف، وحين صارت ضرورة يتحدث في شأنها عموم الناس والمختصون ويتردد في إعلانها كثيرون رغم القناعة.
قول الشيخ صباح ان تعبير دول الضد جزء من الماضي هو لافتة لمرحلة جديدة، بل انتفاضة، تخرج الديبلوماسية الكويتية من هاجس الغزو وآثاره النفسية إلى دائرة الضوء والفعل والشفاء. فبكل وضوح وثقة أراد أعتق وزير خارجية إعلان ان لا دول ضد بعد الآن وان الكويت تعمل من أجل بناء علاقات طيبة مع كل الدول العربية، وانها قررت التعالي على الجراح وتجاوز الجمود لأنه صنو اليأس والفشل.
لقد حدد الشيخ صباح جملة اتجاهات ثابتة للديبلوماسية الكويتية في المرحلة المقبلة تتلخص في ثلاث نقاط أساسية:
1 - إلغاء تعبير دول الضد بعدما تحولت هذه الدول في السنوات الماضية من العداء إلى الحياد، ما يفتح الباب أمام علاقات عقلانية وصداقة محتملة.
2 - الإصرار على رفض التعامل مع النظام العراقي باعتبار ان جريمته في حق الكويت وأبنائها لا تغتفر ولأنه لايزال مستمرا في ارتكابها، وهنا فرّق الشيخ صباح بين الموقف من صدام والنظام وبين الموقف من الشعب العراقي «الشقيق» دافعاً التهم الموجهة إلى الكويت بانها لا تريد التمييز بين الفريقين.
3 - اعتبار مبادئ إعلان دمشق الإطار الديبلوماسي الواقعي والمتاح الذي يجب تفعيله في المرحلة المقبلة. وهنا معاودة تحديد لإطار العلاقات الكويتية - العربية في الوقت الراهن، وتأكيد على الالتزام بمبادئ «إعلان» الدول الثماني، من غير ان يصير هذا «الإعلان» بديلاً من إطار الجامعة العربية العام.
كلمة الشيخ صباح في الندوة جامعة مانعة، وهي كلمة حق تقولها الكويت أمام الملأ لأنها تتجاوز الموقف الآني والتكتيك إلى الموقف المبدئي الاستراتيجي وتتحدث بعمق عن علاقات حضارية هي هدف الكويت أولاً، لكنها يجب أن تكون هدفاً للعرب جميعاً. وكأن الكلمة موجهة إلى جميع الدول العربية للخروج من الأوهام، ومن الشعارات المحرضة على محو الخصوصيات، إلى أسرة العالم المتحضر التي تحتكم إلى القانون الدولي وسلوكيات المجتمع المتمدن محترمة الأصول والحدود والخصوصية. وهو احترام من دونه لا قيمة لتضامن عربي ولا لشراكة، لأنه مقياس التعاون والأخوة. فشكراً لصباح الأحمد.
رئيس التحرير