الحكومة وأزمة الاقتصاد: حاسبــــوا المســــــؤول

تصغير
تكبير
الكويت في أزمة... نعم، فمناخها الاقتصادي يعيش أزمة كبيرة تتجلى مظاهرها في استمرار انهيار البورصة وتراجع معظم المؤشرات من تجارة وصناعة وخدمات. وتتجلّى قساوتها في أن ما يحدث اليوم ليس أمراً عارضاً يمكن إصلاحه بقرار، أو اجتماع، أو ضخ أموال في السوق، أو بالمسكنات والوعود واللجان والتهدئة الإعلامية... و... و... وللأزمة أسباب، فما يحصل مرده شعور عارم بفقدان الثقة في مستقبل البلد الاقتصادي لدى الشريحة الأوسع من المستثمرين والصناعيين ورجال الأعمال. وهذا الشعور هو مكمن الخطورة، لأن البنيان الكويتي نما واستمر ووصل إلى ما وصل إليه نتيجة عوامل عدة أهمها وجود نسيج مترابط من الثقة المتبادلة، والتعاون المشترك بين الدولة والجسم الاقتصادي الممثل بالتجار أساساً. وللأسباب مسببات، ففقدان الثقة يعود إلى عجز الحكومة عن إقناع المجتمع الاقتصادي برغبتها في احترام القوانين وتطبيقها بجدية ووضع خطط مستقبلية طويلة المدى تراعي مصلحة الكويت كدولة، والكويتيين كأفراد، ولا تراعي مصلحة أفراد على حساب الدولة. وللمسببات شواهد، أبرزها دلالة على عجز الحكومة عن احترام القوانين وتطبيقها جدياً مظهران واضحان هذه الأيام: المظهر الأول هو الأسلوب الرمادي في معالجة مشاكل المديونيات التي بدأت منذ العام 6891، ما أتاح المجال لعدد كبير من المتلاعبين للتهرب من السداد بلا وجه حق واستمرار تماديهم في احتقار القانون ــ وقبله الدولة ــ عبر التبجح بعدم الرغبة في السداد والتفاخر بما يملكونه في الخارج. هذا الأسلوب الحكومي ولّد لدى التجار المتضررين الملتزمين بالسداد شعوراً بالإجحاف والغبن وأدى ــ وسيؤدي حكماً ــ إلى ابتعادهم عن الاستثمار في الكويت، أي باختصار، سيؤدي إلى شرخ كبير في النسيج الذي يقوم عليه بنيان الدولة. ولن تنفع محاولات البنك المركزي لذر الرماد في العيون، من خلال ادعائه بإحالة آلاف المدينين الممتنعين عن السداد إلى النيابة، في إنقاذ الوضع وإصلاح العلاقة بين الركائز الأساسية للدولة، بل سترتد سياساته على الحكومة وصدقيتها بالضرر الكبير، فأرقام المحالين مبالَغ فيها، والذين أحيلوا فعلاً هم من صغار المدينين، الأمر الذي كرّس مقولة أن الدولة تعاقب الصغير وتغض النظر عن الكبير. والمظهر الثاني، هو تردد الحكومة وأجهزتها المختصة في حسم الخلافات الاقتصادية التي تنشب بين كبار المتعاملين في السوق من خلال شركات مساهمة كبرى، فمشاكل «البنك العقاري» و«بنك الخليج» ومجموعة قضايا «الدولية للاستثمار» أكبر شاهد على ذلك. وترك الخلاف قائماً لمدة طويلة والتدخل أحياناً كطرف بين المتخاصمين، خصوصاً من قبل البنك المركزي، يعزز الشعور بالخوف وعدم الثقة عند الناس. مظهران ما زلنا نعيش تداعياتهما... وقد يكون الآتي أعظم. وللشواهد والدلائل عِبَر، لكن الدولة مطالبة بالكثير إذا أرادت إعادة النشاط الاقتصادي الكويتي إلى ما كان عليه وعودة الثقة إلى الناس. مطالبة ــ أولاً وقبل كل شيء ــ بالتحرك العملي الجاد لدحض الشعور المتنامي في أن الدولة لا ترغب في أن يكون التجار أقوياء اقتصادياً في الكويت لجملة أسباب تاريخية وسياسية. وهذا الشعور يجب أن تبدده الدولة وتثبت عكسه بالبدء في تطبيق القوانين بحزم والضرب بيد من حديد كل من تسوّل له نفسه احتقار القوانين والتلاعب بها بدءاً من كبار المتلاعبين. وإذا لم تتحرك الدولة في هذا الاتجاه واستمر الارتهان للسلوكيات السابقة في التغطية والتعمية والانحياز، وإذا لم تقم الدولة بمحاسبة المسؤول عن استمرار تردي الأوضاع الاقتصادية ونعني تحديداً محافظ البنك المركزي وبعض السائرين في نهجه، فإن الأمور ستسير من سيّئ إلى أسوأ، فالشرفاء من رجال الأعمال والتجار الكويتيين، الذين كانوا وما زالوا وسيستمرون ركناً أساسياً من أركان بناء هذا البلد وتطوره وازدهاره، لن يجدوا أمامهم ــ إذا استمر شعورهم بأن الدولة لا تريدهم أقوياء ــ سوى العمل والاستثمار خارج البلاد، وبلاد الله واسعة وفي التاريخ عبرة، وبعضهم بدأ ذلك بالفعل، وبعضهم الآخر يخطط لذلك، وهنا ستحل الكارثة. الكويت، كل الكويت، في أزمة. فتصدع البيت الكبير لن يقتصر على ركن واحد فقط، وانسحاب شريحة أساسية منه يطرح سؤال المصير... للبنيان بكامله. إنّا بلّغنا اللهم فاشهد. رئيس التحرير
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي