«الانتصار» فوق أنقاض منازلنا؟

تصغير
تكبير
الحرية مسؤولية، والإنسان الحر هو الإنسان المسؤول، ولا بد لنا، ونحن في خط الدفاع الأول عن الحريات، أن نحصّنها بروح عالية من المسؤولية وبعد التقدير، حتى لا نكون كمن اغتال أملاً وسار في جنازته. مناسبة الكلام، كلام المناسبات غير السعيدة التي حلت في حياتنا السياسية أخيراً على خلفية قرارات خاطئة أتبعت بسجالات عنيفة داخل مؤسسات الحكم وعبر وسائل الإعلام وفي الدواوين، لامست الخطوط الحمر وولدّت خوفاً على مصير تجربتنا المتميزة. وهو الخوف الذي امتد ليشمل أشقاءنا في دول الخليج. لا يجادل اثنان في حقيقة وجود مشكلة رئيسية تتمثل بالشلل السياسي والركود الاقتصادي، ولا يجادل اثنان في ان وراء هذه المشكلة نمطاً إدارياً وتنفيذياً معيّناً لا يتفاعل بالشكل المناسب مع المستجدات والمتغيرات، ولا يجادل اثنان في ان رئيس مجلس الوزراء مسؤول مسؤولية كاملة، حسب نص الدستور، عن سياسة الحكومة وبرامجها اضافة الى مسؤولية كل وزير. كل ذلك موجود ومعروف. ولكن، يعتقد كثيرون، وكثيرون جداً، ان المستوى الذي وصل اليه السجال السياسي في البلاد أفلت من عقاله واعتمد التجريح والشتائم، وسار بشكل مبرمج نحو حركة تصنيف، اعطى اصحابها الحق لأنفسهم في تصوير الديرة وكأنها مجموعة أحزاب على مستوى السلطة السياسية، بعضهم يعمل لأجل الكويت وبعضهم ضدها، وبعضهم يريد التقدم، وبعضهم يريد التخلف، وبعضهم مستنير، وبعضهم ظلامي... إلى آخر التسميات التي لا تستنسخ سوى تسميات، ولا تؤدي إلا إلى التقوقع وإلغاء الآخرين. وهنا تحديداً تنتفي آداب الحوار ويُخترق السقف الحاضن للاختلاف والتنوع وتطلق المواقف اللامسؤولة رصاصة الرحمة على الديموقراطية. لنتكلم بوضوح أكثر، علينا أن نغيّر ما في النفوس حتى نتمكن من التطبيق الجيد للنصوص. ومادة عدم التعاون الواردة في الدستور ليست نصاً مجتزأً يطير في فضاء خاص به. إنها تتعلق بجملة قيم واعتبارات ومواقف ولا يمكن تناولها بشكل استنسابي وشخصي. فيصل استخدام هذه المادة هو الكويت كياناً ووجوداً. هو التحدي الكبير بين الاستقرار والفوضى وبين البقاء والضياع، هو اللجوء عند الضرورة القصوى إلى تلك المادة لإيجاد مخرج لأزمة لا لخلق أزمات نعرف أىن تبدأ ولا نعرف أين تنتهي. لن تخرج الحياة السياسية الكويتية من دوامتها إلاّ بعقد جديد تتغير فيه الاساليب جذرياً داخل كل سلطة وفي العلاقة بين السلطات. والدعوات التي انطلقت في الآونة الأخيرة الى عدم التعاون مع رئيس الحكومة لا تشكل ركيزة لهذا العقد سواء كان اصحابها صادقين أو منفعلين. لا يشكك أحد في وطنية سمو رئيس الوزراء وحبه اللامحدود للكويت وأهلها، ولا يستطيع أحد أن ينكر عمله الدؤوب لأكثر من عقدين من الزمن في منصبه الحالي على حساب صحته وعافيته في احيان كثيرة. ولا يمكن لأحد أن ينسى للحظة موقفه المشرف خلال الغزو الغاشم الذي سيسجله التاريخ له بأنصع الصفحات. إلاّ أن المشكلة تكمن صراحة ليس في شخص رئيس الوزراء بل في جانب واحد من أسلوبه في العمل والمتمثل في عاطفته الزائدة تجاه من يختارهم وزراء تحت قيادته. ويأتي أسلوب العلاقة بين السلطات، التي أصبحت أشبه بأحزاب، لإكمال المشكلة، فيتصدر رئيس الوزراء خط الدفاع عن وزرائه ويتحمل وزر مشاكلهم وأخطائهم، حتى غدت كل هذه الأخطاء تنسب إليه وحده. أسلوب التحزب في سلطات الدولة ألغى مجموعة كبيرة من القيم السياسية، مثل الثواب والعقاب والمحاسبة المسؤولة وتجديد دماء الإدارة، وراكم أخطاء تلو أخطاء على مدى السنين، حتى أصبحت غالبية الوزراء تبدأ عهدها وهي مثقلة بجملة ترسبات وأخطاء من سبقها. التحزب على مستوى السلطات، والمناكفة غير الطبيعية بينها عند كل استحقاق وطني، وغياب الاحزاب الواضحة المعالم في الشارع السياسي الكويتي، وطبيعة اختيار التشكيل الحكومي وظروفه والوقت القصير المعطى لتشكيل الحكومة وتقديم برنامجها... هذه الأمور وغيرها تدفعنا لنكون واقعيين في نقدنا للحكومة حتى لو مس هذا النقد مواد في الدستور. وحتى نصل إلى العقد الجديد للتعاون داخل كل سلطة وبين السلطات، نتمنى على سمو رئيس الوزراء أن يغيّر أسلوبه ويتخلى عن إحساسه الزائد بالعاطفة تجاه من يختارهم وزراء، وأن يكون الرقيب لأدائهم والمحاسب لهم حتى لا يتحمل وحده وزر اخطائهم أو تقصيرهم، وأن يعمد إلى تطعيم فريقه بدماء جديدة عصرية التفكير والأسلوب والبرامج لتتمكن السلطة التنفيذية من تنفيذ برامجها وتتحول من «حزب» بيروقراطي إلى إدارة ديناميكية. الحرية مسؤولية، والحوار مطلوب اليوم أكثر من ذي قبل، ومجتمعنا الصغير لا يتحمل دعوات متطرفة من أي جهة كانت. ولا ننسى أننا كدولة وكيان ومجتمع، كنا ضحية منطق التصنيف والإلغاء. لن ينتصر أحد فوق أنقاض منزله. رئيس التحرير
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي