المال العام أي إشهار وأي مسؤولية؟


في رفض وزارة الشؤون الاجتماعية طلب الاشهار الذي قدمته جمعية الدفاع عن استفزاز أخلاقي أكثر مما هو استفزاز سياسي. ومهما كانت المبررات القانونية التي دفعت الشؤون لرد طلب مؤسسي هذه الجمعية، فإن الواجب الأخلاقي، ناهيك عن الواجب الوطني، يدفع إلى السؤال عن الحكمة من المنع وعن الرؤيا الكامنة وراء قرار الحؤول بين الناس والتعبير عن حقوقهم الطبيعية والبدهية.
ولعل قصور السلطة والمجتمع عموماً عن ادراك كنه فلسفة الدفاع عن كان السبب وراء تقصير واضح في حمايته وافساح واسع في المجال أمام هدره والتصرف به حسب الأهواء والأطماع. فالحفاظ على هو سلوك اجتماعي وأخلاقي أكد ديننا على التمسك به، وتفرضه قوانين الأخلاق وموجبات الاجتماع. لذا لا يمكن حصره بقضية واحدة حصل فيها خرق للقانون، أو بتجاوزٍ معين ينتهي الكلام عنه بضبط التجاوز أو نسيانه، وهو لا يتعلق فقط بصناديق استثمارات او بصفقات تتم على حساب الخزينة. ف هو كل ما تملكه الدولة، ويبدأ من أكبر الاستثمارات وحقول النفط، وينتهي بآخر نخلة مغروسة في ناصية شارع، ومهمة الحفاظ عليه مهمة مقدسة لا تقتصر على جمعية أو فرد بل هي بالتأكيد مهمة كل المجتمع.
ولا شك ان مفهوم الدفاع عن تعرض للتشويه والاختصار، كونه ارتبط بتجاوزات حدثت أثناء الغزو وبعده، وبسرقات ضخمة كانت لها انعكاساتها السياسية، ما حوّل المفهوم إلى حادثة رافقتها تصفية حسابات شخصية وسياسية في آن معاً. لكن بعد استهلاك الواقعة واستنفاد الجدل القضائي والسياسي في شأنها بات لزاماً على الدولة وعلى مؤسسات المجتمع استخلاص العبر والعودة إلى المبادئ. والمبدأ هو قدسية وواجب الجماعة في الحفاظ عليه ومنع هدره وسوء استخدامه. وهنا لا بد من الاعتراف بأن المواطن مقصّر في فهم مفهوم الدفاع عن ومقصر في المسؤولية الملقاة على عاتقه في حمل أعباء هذه المهمة يومياً. ومسؤولية التقصير جماعية لكنها مهمة الدولة والتربية في شكل أساسي أن تغرس في وجدان كل تلميذ ان الوطن ليس مساحة استفادة فقط بل حياة مجتمع يتعاضد فيه الجميع لرفع مستوى الجميع والحفاظ على البلاد. فمقعد الدراسة مال عام والشجرة في الشارع مال عام والاشارة الضوئية مال عام، وكذا الالتزامات والتعهدات وصناديق الاستثمار حين تكون الدولة طرفاً فيها، من هنا ضرورة أن ترسم الدولة استراتيجية طويلة الأمد لغرس مبدأ الدفاع عن وترسيخه لدى الناشئة.
نعود إلى جمعية الدفاع عن . صحيح أنها نشأت بسبب ظروف طارئة. لكن لنشأتها مبررات وجيهة. ولوجودها ضرورة قصوى. ولما كان لها ان تتأسس لولا التقصير الفاضح في الدفاع عن ولولا الهدر الهادر في الخزينة وفي موجودات الدولة وحقوق المواطنين والأجيال القادمة. لكن الحذر ضروري من أن تتحول إلى جمعية ذات أغراض سياسية فتدخل في نفق الصراعات المظلم وتفقد القدرة على التصحيح والتقويم وتضحي طرفاً من أطراف الصراعات والنزاعات.
في الدفاع عن لا يعفى أحد من المسؤولية ولا يستطيع أحد ان يتهرب من تقصير أو اهمال لكن الواجب الأساسي هو واجب الحكومة وعليها تقع مهمة تعميق مبادئ الدفاع عن مثلما تقع عليها مهمة الصرامة والحزم في تطبيق القوانين على الجميع بدءاً بالكبار المتمرسين على التجاوز... أما الصغار فلتساعدنا لنساعدها عليهم.
رئيس التحرير