إســـلام أم فـــتــنــة؟

تصغير
تكبير
لا يتردد سياسيون ومجموعات وبينهم نواب في اللعب على وتر الدين والإسلام كلما احتاجوا إلى ذلك، وكلما تطلبت مصالحهم السياسية تحريكاً للكامن من المشاعر أو تضليلاً ظاهره بريء وتقوى، وباطنه مصلحة شخصية وإقصاء للآخر وتمييز للبعض. ولأن اللعبة تستحق المشقة لم يتردد هؤلاء، ليس في الكويت فقط، بل في سائر الدول العربية والاسلامية من تغيير دلالات المصطلحات. فابتدعوا قاموساً محاولين إقناع الناس بأنه الأصل والحقيقة. فصار الإسلامي بديلاً من المسلم وصارت الاسلاموية هي الإسلام، والاسلاميون هم خلاصة المؤمنين، وبات ما عداهم في دائرة الشك أو التكفير أو الزندقة أو نقصان الدين أو الجهل أو القصور. ولم يتردد هؤلاء في اعتبار ان الحق، كل الحق، ملك أيديهم، وباتوا يحللون ويحرمون ويفتون في كل شيء، من الأكل واللباس الى القراءة والكتابة، ووضعوا بذلك نظاماً أخلاقياً محدوداً ومبتسراً يتنافى مع تاريخ الإسلام وفقه مجتهديه وإعمال العقل وفتح الباب أمام التطور والتغيير في ما لا يخص الثوابت والأساس. وكأن الأمة لم تتعلم من تجارب الآخرين ولم تعلم ان استغلال الدين وظلام التزمت كان آخرهما التنوير في اوروبا، فلِمَ نرفض تنويراً ان لم يحصل اليوم استمررنا في ما نحن فيه وما نشكو منه من جهل واستتباع وعجز عن مواكبة العصر؟ وكون اللعبة نفسها تستمر بأشكال وأشكال يحاول بعض أعضاء مجلس الأمة تصوير مطالبتهم بتطبيق الشريعة ـ على طريقتهم ـ وكأنها عودة الى الأصول والنقاء، وكأن معارضيهم غير مسلمين أو مارقون. ولأننا تعودنا الوضوح نقول ان مطلب تطبيق الشريعة كما يحاول البعض أن يستغله في السياسة هو كلام حق يراد به باطل. فالكويت مجتمع مسلم وأجدادنا كانوا من خيرة المسلمين، ولم يكن بينهم من ينتقص من إيمان الآخر وسلوكياته أو من اسلامه. ولا يزال هذا المجتمع متمسكاً بالدين الحنيف ومدافعا عن مبادئه وقيمه. فلماذا إذًا، التلاعب بالمصطلحات وذر الرماد في العيون؟ مهما زايد المزايدون، نقول إننا ككويتيين يجب ألا نخضع للابتزاز ولا نشعر بضعف تجاه فريق منظم يحاول فرض نظام سياسي، ليس هو الشريعة، بل هو سياسة حزبية داخل مجتمع الاسلام، تفرق أكثر مما تجمع وتنبذ أكثر مما تجذب. وبصراحة كلية، نحن مع تطبيق الشريعة ولكننا لسنا مع الجمود. والفرق كبير بين الإيمان والتعصب، وبين التقوى والتزمت. نحن مع الشريعة وتطبيقها في ما يخص ثوابت الاسلام وقيمه السمحة ومبادئه. ولسنا مع تفسيرات يحاول بعضهم تصويرها وكأنها من صلب العقيدة أو كأنها العقيدة. ونعتقد جازمين ان قيم الاسلام قيم تصلح لكل زمان ومكان، مثلما نعتقد ان الله خلق لنا العقل لكي نتدبر أمور زماننا بما يفرضه التطور ولا يتناقض مع جوهر الدين. انه الجوهر، هو الذي نريد، والجوهر يجب ان يكون في نفس كل مسلم وفي عقله، وقيمه جزء لا يتجزأ من شخصية كل مسلم، فيتحسن وضعنا الاجتماعي والاقتصادي والأخلاقي، وتستقيم السلوكيات وتقل الرشوة والاختلاسات، حتى ان حوادث المرور تقل لأن في قيم الاسلام احترام الحياة وحق الآخرين في الحياة وعدم جواز تعريض الإنسان الآخر للخطر. وما نقوله غير مستحيل، فمجتمعنا كان هكذا حتى الستينات. ليسمح لنا بعض الذين ينادون بتطبيق الشريعة وهم في الحقيقة يستغلون الدين لأهداف سياسية، ليسمحوا لنا بالقول ان ما يفعلونه لا يمت الى جوهر الدين بشيء، ونحن نحذر بصوت عال من مغبة انعكاس مساعيهم ضرراً على الدين والمجتمع والدولة خصوصاً حين تمتزج الأهداف وترتبك المفاهيم وتتداخل النعرات الإسلاموية مع النعرات القبلية. وهي باختصار بدايات تفرقة وفتنة، كويتنا بغنى عن تعقيداتها ومصائبها خصوصا ان الأخطار التي تهدد البلاد كبيرة، وان كيان الوطن في أمس الحاجة إلى الوحدة الداخلية، حصننا المنيع في مواجهة طمع الطامعين وعبث العابثين. رئيس التحرير
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي