الرقابة المزدوجة


في موضوع الرقابة لنا كلمة، لأن النقاش الذي فتح حول رفع الحظر عن 061 عنواناً في معرض الكتاب يوحي بتجاوز الغاية من النقاش. فهو يتناول البدهيات وكأنه يطرح أسئلة عن جدوى الديموقراطية أو يجادل في ضرورتها وبالتالي في ضرورة النظام والدستور.
في الأساس، إن مبدأ الرقابة على الفكر غير مقبول، لأنه يناقض طبيعة الإنسان والتنوع والفرادة وكل ما له علاقة بالإبداع، ناهيك عن تقصيره الفاضح في مسايرة التطور خصوصاً في نهاية القرن العشرين وفي خضم ثورة الاتصالات وانفتاح العالم وزوال الحدود.
لم يثبت على مر التاريخ أن أدت الرقابة وصنوها القمع إلى نتائج في صالح الإنسان. فالمجتمعات المقموعة هي الأكثر تخلفاً إن لم يكن على المستوى المادي فعلى المستوىين الثقافي والفكري وعلى المستوى الإنساني عموماً، والمجتمعات المتحضرة هي تلك التي تقاس بمدى قدرتها على ابتداع الأفكار وتنظيم العيش في المجتمع بحرية، حدودها حرية الآخر، ضمن ثوابت تترك للفرد خيار الحكم على الأشياء جميلها وقبيحها، نافعها وضارها. فكيف ونحن على أبواب القرن الواحد والعشرين نريد للساعة أن ترجع إلى الوراء؟!
أخطر ما في الرقابة الحكومية أن ترفدها أصوات في المجتمع تشجع على الرقابة، وتدعم دعواتها بإشاعة أن النشر الحر يصطدم بقيم المجتمع وبالدين تحديداً. وتنسى تلك الأصوات أن الإسلام دين علم ومعرفة واقناع وليس دين جهل وغفلة وقمع. وتغفل عن أن العقل هو الذي يميز الإنسان عن سائر المخلوقات وأننا بواسطته نهتدي إلى سواء السبيل، وأن المجادلة بالتي هي أحسن، طريق واجبنا اتباعه، والجدل من صفات العقل.
نحن كصحافة لا يمكن أن نكون إلا منحازين حين تطرح مسألة الرقابة. نشعر دائماً أنها ضدنا، وأنها استفزاز مسلط على رؤوسنا، مثلما نحن، كصحافة مسؤولة، لا يمكن أن نكون مع الانفلات ومع ضرب المحرمات. لكننا نجزم أن العقل ميزان الحكم وأن المنع يعادي أهم قيمة إنسانية وهي الحرية.
رئيس التحرير