السياسة والإعلام... وفلسفة الفشل


كيف تكون على حق ويظهر حقك باطلاً؟ هذا ليس سؤالاً ينتظر إجابة، ولا أحجية من أحاجي رمضان، إنه موهبة فذة وقدرة خارقة على التخلف والتقصير لا يجيده إلا المتذاكون المتحذلقون أو أصحاب الخبرات الزائفة.
وكي لا نُتهم بالتعميم والتعمية نقول إن الأزمة العراقية الأخيرة أظهرت بما لا يدع مجالاً للشك أننا لم نكن فقط غائبين عن الحدث إعلامياً وسياسياً، بل كنا فاقدي الوعي عاجزين عن تلمس الخيط الأبيض من الخيط الأسود كوننا رضينا بكل بساطة أن ندفن رأسنا في الرمال، ليس من باب الحيطة لكن لأننا نفتقد الحد الأدنى من الخطة الإعلامية والسياسية لمواجهة حدث يتكرر وكان متوقعاً حدوثه.
الآن وبعدما هدأت عاصفة «ثعلب الصحراء» تعالوا نتصارح، لقد ربح كل طرف من أطراف الصراع المباشرين شيئاً ما، قال الأميركيون والبريطانيون إنهم نجحوا في إيذاء «الحرس الجمهوري» وفي خفض قدرة نظام صدام على إنتاج أسلحة الدمار الشامل، وربح صدام لأنه استطاع البقاء وجمع حوله تأييدا عربياً وإسلامياً لا يستهان به، كل نظام عربي ربح على طريقته، هذا استنكر وذاك أطلق العنان لـ «الجماهير الهادرة» وآخر ناشد وتوهم أن مناشدته عشية وقف النار هي السبب في انتهاء العملية، حتى روسيا فإنها أظهرت قدرتها على الغضب ولو من دون أسنان، إلا نحن تخبطنا في غموض مواقفنا وفي عجز أجهزتنا عن مواكبة الحدث، وظننا أن غيابنا عن الساحة الإعلامية والسياسية خير لنا، إن انحناءنا أمام العاصفة أسلم طريق إلى السلامة، لكنهم لم يوفرونا، هاجمونا بتصريحاتهم وشتمونا في تظاهراتهم، وطالبوا بطرد سفرائنا وصورونا أعداء متآمرين، بينما نحن في الحقيقة لسنا سوى غافلين أو مكابرين.
تعالوا نتصارح، إن الأزمة الأخيرة أثبتت فشلنا إعلامياً وسياسياً، فنحن أصحاب حق نؤمن بحقنا ولاجدال في ذلك، كنا ضحية العدوان والغزو ولانزال نعاني آثار همجية صدام، أسرى لا معلومات عنهم، وتهديدات تتجدد بين حين وآخر، ورفض للاعتراف بالحدود، وتوعد بالعودة إلى سياسة القوة، فماذا فعلنا في مواجهة ذلك؟ وماذا فعلنا لكسب العالم العربي والإسلامي إلى جانب قضيتنا؟ بل وماذا كسبنا إذا كنا قد سقطنا في أول اختبار؟
إنها فلسفة متكاملة وليست نظرية فحسب، أن تبث مباراة رياضية بالتوازي مع تصريح بأن الكويت غير معنية، وكلها نتاج فردية القرارات في بلد يفترض أنه ديموقراطي. وكأن الديموقراطية بما تتضمنه من تشاور وأخذ برأي الآخرين، إضافة لا معنى لها أو أعطية من الأعطيات يمكن التلاعب بها واستردادها.
بعد تسع سنوات من غزو الكويت بدا أمس واضحاً أننا خسرنا غالبية من ناصرونا، ولم نكسب أصدقاء جدداً، وعلى رغم اننا أصحاب قضية عادلة فقد تأكد عجزنا عن بلورة فلسفة إعلامية وسياسية جديدة تستمد زخمها من الديموقراطية الكويتية مثل عجزنا عن طرح قضايانا المصيرية بموضوعية وديناميكية، فلماذا لا نصارح أنفسنا ونسأل عن الملايين الضائعة من أجل شرح قضيتنا؟ بل لماذا صرفنا كل تلك الأموال طالما أننا لم نكن نمتلك خطة تجعلنا نستثمر في ما أنفقنا؟ أسئلة برسم المسؤولين المعنيين علها تصل إلى قلوبهم وعقولهم، وعلها تستطيع تحريك الراكد في نفوسهم وأذهانهم على السواء، رفقاً بالكويت وأهل الكويت ومستقبل أبناء الكويت.
رئيس التحرير