المبــــــــــــــادرة

تصغير
تكبير
ليس صدفة أن يترافق هزال الحياة السياسية مع هزل المطالبات بتغيير الحكومة أو حل مجلس الأمة. فمن ضرائب الديموقراطية أن تتيح للطالح والصالح الحديث عن مصالح الناس مثلما تفسح في المجال لغير ذوي الشأن بأن يفتوا في ما يخص الشأن العام، غير آبهين بثوابت وبمصطلحات تتطلبها السياسة وممارسة السياسة. ربما من المفيد التذكير بأن الدستور وضع الإطار الصحيح للحياة السياسية في الكويت وحدد اختصاصات السلطات. والأكثر فائدة أن نتذكر أن العلاقة بين الحاكم والمحكوم في هذا البلد هي علاقة فريدة كون الحاكم لم يأت بحد السيف بل باختيار الشعب. ومن هنا كان التوافق بين الضوابط وحكم دولة القانون والمرجعية. ثابت وواضح أن الوضع الذي وصلنا إليه يثير الشفقة. فأداء الحكومة معطوفاً على أداء المجلس ورّط البلاد في حلقة مفرغة حالت دون تطبيق أي برنامج طموح، لا بل أدت إلى انتظار وجمود هما مرادفان لشلل حقيقي على جميع الأصعدة. ولا يخفى أن الصراعات التي تحتدم بين الفينة والفينة مردها إلى فقدان الثقة في النفس وفقدان الثقة في الآخر وفقدان الثقة في البلد. فلو كان الطرفان يأبهان لحساب أو يخشيان عواقب لما وصلا في علاقاتهما إلى حد انعكس أضراراً على مصالح المواطنين وعلى صورة الكويت ومستقبل ديموقراطيتها. فغير منطقي أن يبتدع بعضهم قضايا ثانوية ويتورط الآخر في قضايا تافهة في وقت تواجه البلاد مرحلة مصيرية من تاريخها كون المنطقة تعصف بكل الاحتمالات. مثلما من غير المنطقي أن يتسابق الوزراء والنواب على المصالح الشخصية وأن تصبح الاهتمامات الوطنية العامة في آخر جدول الأعمال أو في مهب فقدان النصاب أو تحت وطأة الاستهداف الممعن في الشخصانية وروح الأنانية. لا أحد ينتقص من الأشخاص، لكن الوقائع تتحدث عن نفسها. ويعرف المواطن كيف تمّ تبني وتقديم مشاريع أساسية وحيوية لمستقبل البلاد مثل مشاريع الحزمة الاقتصادية على سبيل المثال لا الحصر، ثم تمّ التراجع عنها عند أول ضغط من المجلس، وربط التراجع دائماً بأقطاب النظام في الحكومة. ويعرف المواطن أيضاً أن من أسباب الخلل الأساسية التدخل الحكومي الدائم في الانتخابات بطرق وأساليب شتى لانجاح نواب يدعمون نهجها. لكن الدخول في اللعبة ليس مثل الخروج منها، فبعض هؤلاء تصعب السيطرة عليه لاحقاً ويتجاوز الحدود متكئاً على تصرفات ترتبط غالباً بأعضاء في الحكومة من أبناء النظام. ولو بقي الأمر في هذه الحدود لكان هيناً، لكن وزراء عديدين لا يتورعون عن القول بأن سبب فشل تنفيذ المشاريع عائد إلى خلافات الأقطاب في الحكومة، ويسربون ذلك في مجالسهم لحماية أنفسهم أمام الرأي العام. ويصل الأمر إلى حد قيام أحد الوزراء من أبناء النظام بانتقاد الحكومة وقدراتها وأسلوب ادارتها علناً في المجالس وفي أروقة الوزارة وربط ذلك بما ستشهده البلاد من مشاكل جسيمة في المستقبل القريب. وبين الحكومة والمجلس يختلط الحابل بالنابل ويدرك المخالفون أن الضرب على الوتر القبلي أو الطائفي لتحقيق مآرب شخصية أو لتمرير مخالفات أمر ممكن طالما أن اللجوء إلى أحد الكبار في الحكومة متاح، فتلتقي الوصولية مع الاستهتار بالقانون تحت حماية المكلفين حماية الدولة وحقوقها من التعدي والانتهاك. أمام هذا الواقع لم تجد مخيلة بعضهم حلاً سوى في الدعوات المتسرعة إلى حل المجلس أو إلى تغيير الحكومة من دون إدراك أن العلة ليست في الحكم ولا في المؤسسات بل في النهج والأسلوب. ليس هذا فقط، بل وصل الكلام حد التشكيك في النظام والاستخفاف بصيغة حكم وعيش ارتضاها الكويتيون ارتضاء، وأرادها العقلاء طوعاً لعلمهم أنها الأنسب والأجدى. ونسي هؤلاء أن تلك الصيغة، بل هذا النظام، تعرض لأقسى اختبار وخرج منه باهر الانتصار حين التف الكويتيون في أثناء الغزو حول شرعيتهم ولم يجد الغازي المحتل كويتياً واحداً يتعامل معه. من هنا وجوب الفصل بين المجلس والحكومة وأعضائها من جهة وبين النظام. فسوء أداء المجلسين واستغلال بعضهم المناصب لا يعني شل النظام. وضرورة تقويم الاعوجاج لا تعني أن الصيغة لم تعد قادرة على تطوير نفسها وتجديد دمها وغسل ما علق بها. لذا فإن مبادرة تأتي من فوق لاصلاح الأمور لا بد أن تحظى بترحيب المواطنين وثقة الناس الذين طالما منحوا ثقتهم لمن يحمل الأمانة ومن في يده الحل والعقد بحكم الدستور ورعاية الله وتفويض الشعب، على أمل أن يعود الأمل بحاضر هذه البلاد ومستقبل أبنائها. رئىس التحرير
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي