أخطار كبيرة ونزاعات صغيرة


لا يسع المواطن العربي وهو يشاهد بنيامين نتنياهو يطلق سيلاً من الأكاذيب أمام الصحافة في واشنطن ويلقى تعاطفاً مع أساليبه في الخداع، إلا أن يخاف على مستقبل السلام ومستقبل الأمة ومستقبل القدس. وإلا أن يدرك حجم المخاطر التي تواجه المدينة المقدسة من تهويد وتوطين.
وليس بوسع المواطن العربي وهو يكتشف كل يوم نيات صدام حسين وسلوكه العدواني وتعنت نظامه إلا أن يخشى على حاضر الأمة ليس فقط من الديكتاتور الحاكم في بغداد بل من «الصداميين» المستترين والظاهرين، المتعاطفين مع الطاغية، تارة بحجة التضامن مع أطفال العراق وطوراً بحجة العداء لمن فرض الحصار ولسياسة الكيل بالمكيالين.
والخطران، واحد يضرب قلب الأمة في مقدساتها، والآخر يضرب عقل الأمة في سلوكها وتطورها. وإزاءهما لا مفر من إعادة التقويم والتفكير.
الأكيد أن الدول العربية تحتاج الى كثير من التعاون والتنسيق، فالمواضيع جمّة، والأخطار جدية، والمهمات جسام ولا يمكن مواجهتها إن لم تحل إشكالات تعصف بالشعوب وتهدد مستقبلها. فلا يجوز إغماض العين عما يجري في الجزائر من قتل وذبح باسم الإسلام، ولا يجوز ترك الإرهاب يترعرع وينمو مستفيداً من ديموقراطية هشة أو من فساد متسلطين في أكثر من مكان، ولا يجوز أن تبقى مشاكل الحدود عالقة كأنها قنابل موقوتة، وأن يبقى المواطن العربي في كثير من المناطق فريسة الفقر والحرمان وفقدان وسائل التعليم والطبابة والحق في الحياة الكريمة.
ولعل في الخلاف المصري ـ القطري مثالاً على الخلافات الصغيرة التي تسمم الأجواء والتي يمكن الاستغناء عنها. فهي من النوع الذي يكبر من دون مبررات جوهرية. فلا قطر خارجة عن التضامن العربي، ولا مصر المسؤول الوحيد عن الأمة. كما أن احترام الأدوار والأحجام يفترض احترام الكيانات وحقوق السيادة. فلعبة الشقيق الكبير والشقيق الصغير عانى منها العرب وما زالوا يعانون، وهي انتهت غالبا بالهيمنة والأحقاد، ونادراً ما انتهت بالنصح والمودة والرعاية.
وفي هذا الشهر الفضيل، بل في العشر الأواخر منه تحديداً، لابد من وضع حد للخلاف المصري ـ القطري المستجد، ونعنيه لأنه الأحدث، والأقل تبريراً، فجلّ الخلاف «كاريكاتوري» ولا يستحق تلك الضجة ولا الأقلام المسنونة والأنياب البارزة. وربما كانت العودة الى المبادرة السعودية الكريمة لرأب الصدع خير وسيلة لإسدال الستار نهائيا على إشكال غير مستساغ.
ليس الخلاف القطري ـ المصري إلا مثالاً، وهو ليس وحيداً، ولا فريداً، فالمستتر من النزاعات العربية أكثر من الظاهر، وكل نزاع مهما بدا بسيطا هو عائق في طريق تطور هذه الأمة وعائق في طريق أهدافها وفي طريق حصولها على حقوقها وضمان تطورها. ولا سبيل الى سلوك درب المعالجة والشفاء ومواجهة الأخطار الكبيرة إلا بإنهاء إشكالاتها الصغيرة وبتعاضد دولها وانسجامها واتفاقها على الجوامع المشتركة وتغلبها على الانقسامات والنزاعات التي تسمح لنتنياهو بالاستمرار في تعطيل مسيرة السلام وتسمح لصدام بمواصلة تعطيل عقل الأمة وعقول أبنائها.
رئيس التحرير