صوت المرأة والعورة السياسية الأحـــــزاب أولاً


مرة أخرى، يُظهر النقاش الدائر حول حقوق المرأة السياسية عقم النظام التشريعي في الكويت، ويؤكد ان الولادة المنتظرة لأي قانون متطور لن تكون إلاّ قيصرية، وأن مستقبلنا السياسي لن يكون كامرأة القيصر فوق الشبهات، خصوصاً اذا استمر النهج على ما هو عليه في ملفات الحكومة وتحت قبة البرلمان.
والجدل القائم اليوم بين النواب أنفسهم، وبينهم وبين الحكومة، يفتح الباب واسعاً لبحث مستقبل الكويت السياسي في شكل عام، ويسلط الضوء على أزمة حقيقية في التخطيط والتنفيذ والممارسة وعلاقة السلطات ببعضها ويكشف كم أن قضايانا المصيرية والرئيسية رهينة المحبسين: القرار المقيد سلفاً بسلاسل الخوف والمسايرة والتردد والمحاباة من جهة، ورد الفعل القائم على الصد والكيدية والمصالح الشخصية والانتخابية من جهة ثانية.
المرأة الكويتية تستحق أن تكون شريكاً للرجل في الممارسة السياسية وسجلها في العطاء ناصع ومليء بالانجازات المشرفة لخدمة الوطن، والرغبة الأميرية بمنحها الحق السياسي تشكل أكبر تكريم حصلت عليه تتويجاً لجهودها. لكن المسار الذي نحته هذه القضية، وكيف دخلت هي الأخرى في جبهة السجال الحكومي- النيابي يطرح سؤالاً كبيراً: هل سنضمن تطور الممارسة السياسية اذا أعطيت المرأة حقوقها السياسية في ظل النظام التشريعي الحالي؟
الجواب قد لا يكون إيجابياً على الاطلاق.
فالنظام التشريعي في الكويت يتناسل الأخطاء بامتياز، لأنه- وباختصار شديد- انتقل في 53 عاماً من مرحلة الطفولة إلى مرحلة الكهولة ولم يمر بمرحلة النضج، والسبب في ذلك يعود إلى أسلوب تطبيق الديموقراطية من خلال ممارسة العملية الانتخابية في شكل بدائي، وأسلوب الحكومة في التعامل مع المجلس، وعدم فرز المؤسسات تقاليد سياسية راسخة تضبط التوازن في المجتمع وتضمن عملية التنمية في كل مجالاتها.
تجربتنا السياسية تعيش شيخوخة مبكرة، ولم تكن في حاجة أساساً الى موضوع حقوق المرأة كي تنكشف عورتها من خلال النقاش العقيم الذي يظهر هشاشتها كل يوم. واذا كان النواب حريصين على اعادة الحيوية للنظام الديموقراطي قبل بلوغه سن اليأس، فلا بد من وقفة شجاعة أمام مرآة المستقبل، والبدء جدياً في دراسة انشاء الأحزاب في الكويت لتكون الخطوة الانتقالية الصحيحة لمرحلة أكثر نضجاً تعيد للتجربة نضارتها وللديموقراطية مضمونها.
من خلال الأحزاب يترشح الأكفأ، رجلاً كان أم امرأة، ويصل النائب إلى مقعده عن طريق عطائه وتفاعله الحضاري مع محيطه والتزامه برامج محددة واضحة يحاسب عليها هو وحزبه من قبل الناخبين، ولا يصل عبر المادة أو القبيلة أو الصدفة أو بتزكية حكومية.
من خلال الأحزاب، تتسابق الأفكار نحو الأفضل، ويتم طرح برامج سياسية واضحة ودقيقة وشاملة يختار المواطن من خلالها وعبر قناعته مرشحيه. وعلى أبواب القرن الحادي والعشرين لم تعد المؤسسات الحزبية الراقية دكاكين شمولية ومغلقة، بل أصبحت منابر حقيقية لإرساء التعددية واحترام المؤسسات وتكريس التنمية السياسية والاجتماعية والاقتصادية.
هذا ما تحتاجه الكويت حالياً لتدخل القرن المقبل بديموقراطية أكثر رسوخاً وبمجتمع أكثر حيوية وبسلطة تنفيذية أكثر انتاجاً، وهي قادرة على ذلك لانها كانت السباقة أولاً، ولانها تملك المقومات ثانياً، ولأن التحديات المقبلة أكبر من أن نواجهها بنظام «النقطة» الحكومي لتمرير أي مشروع أو بـ «نقاط النظام» البرلمانية لعرقلته.
رئىس التحرير