رســـوم بـــرســـم المستـقــبــل

تصغير
تكبير
صباح الخير يا رسومنا الجديدة لم نستقبلك استقبال الفاتحين، ولن يفعل ذلك أي مجتمع سواء كان تحت خط الفقر أو فوق خطوط الثراء، فطبيعة الحركة الإنسانية والاجتماعية ترفض أعباء إضافية مهما كان حجمها، وطبيعة اللعبة السياسية لا بد أن توظفك في التجاذب الداخلي، خصوصاً أنك ورقة مغرية وعلى تماس مباشر مع مصلحة «الجماهير» وهم وقود المعارك الانتخابية وغير الانتخابية. ومع ذلك صباح الخير. إذ آن الأوان لأن تتحمل الحكومة الكويتية مسؤوليتها وتتخذ قراراً سياسياً واقعياً فرضته الظروف الاقتصادية بعدما بقيت لأكثر من عشرين عاماً تحذّر الكويتيين من مخاطر البقاء على أنماط الاستهلاك المعتادة وترسم لهم مستقبلاً قاتماً نتيجة عدم التصرف كما يجب إزاء المتغيرات المحلية والإقليمية والدولية، وتحض على ضرورة قيام إصلاح اقتصادي داخلي شامل... ثم تتراجع لغياب القرار، أو مسايرة لهذا الطرف أو ذاك، أو إرضاء للناس أو خوفاً من مواجهة مع المجلس، أو رغبة في تحييد «الشارع» في صراعها مع السلطة التشريعية. تعددت الأسباب والنتيجة مزيد من المخاطر ومزيد من الخوف ومزيد من الضياع الاقتصادي في غياب الرؤية الواضحة. اقتنعت الحكومة أخيراً بأن القرارات المصيرية يجب أن تتخذ من دون إخضاعها لمزاجية الشارع أو للعبة المساومة في السياسة الداخلية، لكن هذه القرارات لن تحقق الهدف المرجو منها إذا لم تخضع لاعتبارين: أن تكون جزءاً من خطة تنموية قومية شاملة تشتمل على سياسة اقتصادية متكاملة ونظام مالي حديث واضح لا يتعرض للمس والتعديل والتغيير كلما سمع المسؤولون كلمة في ديوانية أو ملتقى أو تحت قبة البرلمان... أو كلما اقتضت مصلحة أحد «النافذين» ذلك، فالجميع تحت النظام، ولا يجوز أن نطلب مشاركة عامة في تحمل الأعباء ثم نحصر الامتيازات بقلة. وهنا، على الحكومة أن توظف أي وفر أو أي مدخول إضافي في معالجة الملحّ من قضايا الناس مثل الإسكان والبطالة والتعليم والصحة وغيرها وتستخدم ما تبقى لإعادة احتياطي الأجيال القادمة إلى معدلاته السابقة. والاعتبار الثاني، أن تكون الخطة الجديدة واضحة في أولوياتها، أي أن تبدأ ــ كما في كل الدول المتقدمة ــ بالكبار والأغنياء وعِلْيَة القوم. والنطق السامي لصاحب السمو الأمير لم يخل مرة من كلمة «العدل» وضرورة تطبيقه. وفي إطار الأولويات، لا بد مثلاً من بدء تطبيق الرسوم في الشويخ الصناعية والشاليهات (من دون استثناء أحد)، ولا بد أيضاً من اعتماد الأسلوب التصاعدي في جباية تكاليف الماء والكهرباء فلا يتساوى صاحب الشقة الصغيرة بأصحاب الفيلات الكبيرة وحدائقها الفسيحة. ولا بد ــ أيضاً وأيضاً ــ من أن تربط وزارة التجارة رسوم تجديد الرخص التجارية على مختلف أنواعها بحجم الشركات وأرباحها. وفي سلّم الأولويات سلسلة طويلة، تبدأ من التقشف الحكومي وتنتهي بوقف الدعم عن القطاعات التي يمكن أن تستغني عنه. وقبل الاعتبارين لا بد من جسر مديد يربط القرارات الحكومية بالناس، من خلال خطة تسويق إعلامية واضحة، تشرح المبررات وتفصّل البرامج وتوضح الأهداف وتنشد مشاركة جماعية، فالإعلام هنا، هو الإطار الذي يؤمن تفاعلاً حقيقياً بين القرار وأصحابه ومنفذيه، وهو السلاح الذي كان على الحكومة أن تستخدمه ايجابياً في المبادرة، بدل أن تفصله على مقاسات ردود الفعل وتطوعه يميناً ويساراً في سياسة الاسترضاء. ولا نأتي بجديد إذا قلنا إن الخطط الحالية والمستقبلية لن تجد قبولاً لدى الناس إذا لم تكلل مسيرتها بالثقة ولم يتميز القائمون على تنفيذها بالشفافية والصدق والصراحة ونظافة الكف، وهو ما يفرض على الإعلام مسؤولية مضاعفة في مقاربة هذه الأبعاد إذا أرادت الحكومة فعلاً عهداً جديداً بينها وبين الكويتيين. نتحمل القليل لإنقاذ حاضرنا وضمان غدنا، وهذا القليل يبقى «قليلاً جداً» مقارنة برسوم السلع والخدمات حتى في أكثر الدول بحبوحة ورغداً، وإذا لم نكن واقعيين ونحكم عقولنا بدل عواطفنا، فسندفع مستقبلاً أضعافاً مضاعفة الثمن الذي ندفعه اليوم. عندما يتعلق الأمر بالسياسة يمكن الخضوع للعبة المزايدات والمكاسب والشد والجذب بين المجلس والحكومة، اما في قضايا مصيرية تمس مباشرة مستقبل أجيالنا فلا بد من خطوط حمر لجميع الأطراف تحدّ من توظيفهم لها في دائرة المصالح الضيقة. نتحمل القليل، وننتظر من الحكومة الكثير، ومن البرلمان أكثر، في اتجاه تسريع إقرار خطط الإصلاح الاقتصادي ومراقبتها والتعاون مع السلطة التنفيذية على حسن سير تنفيذها وترشيد الناس الى مخاطر البقاء على النهج الحالي، بعيداً من جبهات «الرفض» وجبهات «الإذعان» لأن جبهة «المستقبل» هي المعركة الرئيسية التي سنخسرها إذا لم تحشد كل الطاقات. نتحمل القليل الآن وننتظر من السلطتين الكثير... وصولاً إلى صباح أكثر إشراقا. رئيس التحرير
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي