المناصب والعدل وبيت المال

تصغير
تكبير
دائماً نعود. نعود الى جوهر الموضوع. والجوهر هو فصل الخاص عن العام والتجرد في ممارسة المسؤولية ونظافة اليد. في اكتوبر الماضي، قبيل تشكيل الحكومة الحالية وجهنا الى رئيس الوزراء نداء من القلب، أطلقناه باسم جميع الكويتيين ان «شكّل حكومة نظيفة، فهذا دين لنا عليك». حينها أشرنا تحديداً الى وجوب أن يكون وزير العدل من خارج مجلس الأمة لضمان حياده ولئلا يتأثر بخلاف سياسي أو بمصلحة انتخابية. وقلنا لسمو ولي العهد ان هناك معايير يجب توافرها في الوزراء خلاصتها النزاهة والخبرة وعدم الارتباط بأهل الفساد والإفساد. فهل كان نداؤنا صرخة في واد أم اننا توهمنا إمكان تجاوز الواقع فسقطنا في المثالية؟ تشاء الظروف المؤسفة ان يحصل ما حذرنا منه، وان يتحقق ما كنا نناشد لتلافيه. فيقع وزير العدل في المحظور مورطاً القضاء في السياسة، متسبباً باهتزاز صورة هذا المرفق الأساس والحساس وبإدخاله في صراعات شديدة الخطورة، واجبه ليس فقط ألاّ يكون طرفا فيها، بل ان يحكم بين أطراف خلافها. هل كان سيحصل ذلك في أي حال؟ لا نضرب في الغيب لكن التجارب تعلم ان الوزير غير النائب ليس مضطراً للتمادي في لعبة السياسة ارضاء لتيارات وجهات قد تكون مؤثرة بالنسبة الى مستقبله السياسي، وليس مضطراً لتغيير سلّم الأولويات عند من يفترض به أن يكون همه الأول بل الأوحد العدل ثم العدل ثم العدل. أهو كل شيء؟ ليس بعد. يشاء حظ البلاد التعيس ان تبتلى بوزير آخر، في يده سلطة المال. بل هي سلطة هدر المال... والمجموعة الإجرامية المتهمة بمحاولة الاغتيال والمتورطة في قضايا مالية كبيرة تعززها الصداقات الوثيقة والأسماء الرنانة، تفاخر، ثم ترتجف وتتوتر، ولا تتنحى. في حسابات الدول تحصل أخطاء، بعضها مميت وقاتل، وبعضها قابل للإصلاح. ولأن الكويت تعودت النظر إلى المستقبل يفترض الإيمان بأن المجال لا يزال مفتوحاً أمام أهل الحكم لإصلاح البيت وإعادة تدعيمه بمن هم أهل لتولي المناصب الحساسة خصوصا حين يتعلق الأمر بالعدل بين أبناء الرعية وببيت مالهم. نكون متفائلين لو توقعنا انتفاضة على النفس ومراجعة للذات تجعل الوزيرين المعنيين يتقدمان طوعا باستقالات معللة مثلما يحصل في الدول المتحضرة. فهما قد يعتقدان بأنهما عفيفان وفوق الشبهات فيتمسكان بالمنصب قدر تمسكهما بالحياة. غير ان للحكم ضوابط وأصولاً. وأهل الحل والربط مطالبون بوضع حد للتطاول على الدستور وعلى حق الــــناس في حماية المال العام وحق الدولة في حماية مال الـــــــدولة. ولربما بات مــــن الملح اتخاذ قرار واضح بإعفاء من تثبـــــت مسؤوليته أو من يتـــــــردد اسمه في فضائح أو ارتكابات. واضح ان تطورات الأسابيع الأخيرة أوصلتنا الى وضع لم يعد يجــدي معه التمييع، فالمعطيات اختلفت والظروف تغيرت. ولم يعد جائزاً ترك الأمور على عواهنها بحجة غياب سمو ولي العهد رئيس مجلس الوزراء شفاه الله وأعاده سالماً. فالكويت دولة مؤسسات يحكمها الدستور ولا تتعطل بغياب فرد حتى ولو كان رئيس الوزراء، خصوصاً ان الشيخ سعد لا يقبل بخلل في الوزارة ولا بفقدان المصداقـــــية نتيجة ارتكابات يرتكـــبها كائناً من كان، وهو من غير شك أول الحريصين على سمعة الحكومة وحسن أدائها. لذا حان الوقت لمعالجة الداء الذي نحن فيه، وآن أوان اجراء حاسم يحفظ هيبة الحكم ويحفظ كرامة الحكــــومة ويحفظ كرامة الكويتيين. فهل من مجيب؟ رئيس التحرير
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي