مسؤولية العرب ومسؤولية واشنطن


إذا كان قتل المدنيين في تل أبيب أمرا مرفوضا ومدانا، فإن المرفوض أيضا أن يبادر السيد نتنياهو ووزير خارجيته على السواء الى تحميل السلطة الفلسطينية مسؤولية انفجار أمس للهروب من مسؤولية اسرائىل المباشرة عن التصعيد الجديد. لكن نتنياهو على مايبدو صاحب ذاكرة قصيرة ونظرة لا تعرف التمييز بين الانفجار والتحضير للانفجار وبين الفعل ورد الفعل، ولا تفقه أن السلام إيمان واقتناع وليس فرضا واغتصابا وأمرا واقعا.
لا يمكن لإنسان متحضر ان يتعاطف مع انتحاري فجر نفسه في مدنيين ولا مع جندي أطلق النار على باص طالبات. فالعملان ليسا من النضال بشيء ولا يمتان الى قواعد الحرب بصلة. لكن ليس من إنسان سويّ إلا ويفهم أن وقاحة نتنياهو في إقامة المستوطنة في جبل أبوغنيم عمل عدواني يفتح المجال لإثارة المشاعر ولردود الفعل. وليس من متتبع لتطور العملية السلمية إلا ويدرك ان نتنياهو، الذي استطاع عبر تهديد السلطة الفلسطينية بالويل والثبور واجتياح مناطقها تقليص حجم رد عرفات، لا يستطيع ضبط أطراف أخرى غير مستعدة للرضوخ للضغوط لأسباب عدة منها أنها غير ملتزمة سياسة السلطة الوطنية الرسمية، وغير مضطرة الى تهدئة الوضع إفساحا في المجال لمعالجات ديبلوماسية لا تؤمن بها أصلا، وغير حرة تماما في قراراتها التصعيدية. وأهم من كل ذلك أن سياسة ليكود النزقة والمتعجرفة تعطيها المبرر لرد عنفي يدعم نظريتها ان السلام وهمٌ بوهم وان السائرين فيه ضلوا الطريق.
ظاهر من مجمل التطورات الأخيرة، منذ قرار اقامة المستوطنة والفيتو الأميركي وصولا الى عملية الباقورة على الحدود الأردنية ـ الاسرائيلية وتتمتها انفجار تل أبيب ان عملية السلام وصلت الى مفترق صعب بل الى وضع خطر يستوجب انقاذها من براثن المتطرفين في طرفي الصراع. اذ ليس أكثر ملاءمة لنتنياهو من العمليات الانتحارية، وليس أكثر ملاءمة للانتحاريين من ليكود وباروخ غولدشتاين، فواحدهما يبرر الآخر، وبين الفريقين يبدو دعاة السلام حائرين واجمين وتبدو العملية السلمية بمجملها في مهب الريح خصوصا ان واشنطن خرجت عن دور الوسيط النزيه وانحازت بوضوح في ممارستها حق النقض.
أكثر من أي وقت مضى تبرز الحاجة الى وقفة عربية جادة ومسؤولة في آن معا، تؤكد على الإيمان باستمرار عملية السلام وفق أسس مدريد ومبدأ الأرض في مقابل السلام، وتضع اسرائىل أمام خطر انهيارها برمتها والثمن الذي يمكن أن يدفعه الجميع من جراء ذلك، مثلما تضع هذه الوقفة الولايات المتحدة أمام مسؤوليتها بصفتها مهندس السلام وراعيه والمسؤول الأول عن النظام العالمي الجديد. وفي الموقف العربي هذا مصلحة ليس للفلسطينيين وقضية القدس فقط، بل مصلحة للدول العربية ولشعوبها كلها التي تريد السلام العادل والاعتدال والتفرغ للتنمية.
رئيس التحرير