قمة استثنائية للمراجعة؟ لم لا

تصغير
تكبير
إذا كان الثبات والاستقرار ميزتين طبعتا مسيرة مجلس التعاون الخليجي خلال الثمانية عشر عاماً المنصرمة، فإن الفعل والوثبة نحو المستقبل ميزتان مطلوبتان لتفعيل عمل هذا التجمع ومواكبة حاجات المجتمع الخليجي ومتطلباته الأمنية والاقتصادية والسياسية. ولكن، قبل الوثبة، لا بد من وقفة تأمل. تأمل في ما حققه المجلس وتفكير في إمكانات شعوبه التي لم تستغل وفي قدراته الكامنة. وتفرض الحقيقة ان نعترف نحن الخليجيين بأن ما تحقق كثير وكله مفيد وبعضه بارز، ومنه الاتفاقية الاقتصادية الموحدة، وتنظيم تملك العقار لمواطني مجلس التعاون، وضوابط ممارسة النشاط التجاري وتملك اسهم الشركات بين مواطني المجلس، وغيره ما تضيق مقالة عن ذكره. لكن الأهم ان المجلس حقق وحدة الدم ووحدة المصير حين رد بحزم على غزو العراق للكويت، فشهدت هذه الأرض شهادات المقاتل السعودي والقطري والاماراتي والبحريني والعماني الى جانب المقاتل الكويتي. لذا فإن اجتماع القادة في الكويت يحمل اكثر من رمز ويتضمن اكثر من مغزى. ومن هنا ضرورة تحويل ما كان رد فعل مشرفاً على اجتياح غادر الى فعل مؤسسات ثابتة وجاهزة لضمان كيانات دول المجلس وأمن شعوبه. ومثلما تدعونا الحقيقة الى الافتخار بما تحقق فإنها تدعونا ايضاً الى التوقف عند الذي لم يتحقق، ولعل الوقت مناسب لمراجعة جادة ونقدية لمجمل عمل المجلس والهنات التي شابت مسيرته في كل المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعسكرية. ولا عيب في القول اننا لم نحقق سوقاً خليجية مشتركة وان اسواقنا بقيت منفصلة في ظل تباينات اقتصادية واجتماعية، وبقي التخطيط الشامل لسوق كهذه بكل ابعادها امراً بعيد المنال، فلم نستفد من تجربة اوروبا التي استطاعت ان تتوحد في السوق الأوروبية المشتركة وفي الاتحاد الاوروبي وان تضع خلف ظهرها مئات السنين من الحروب والعداوات وتجتمع على قاعدة المصالح الاقتصادية فتطورها لاحقاً الى اجتماع على الأهداف السياسية تجسد بمؤسسات فاعلة. لم نستفد رغم أننا اكثر تجانساً وأكثر انسجاماً وتوحدنا لغة واحدة ودين جامع، ألا يدعو ذلك الى التساؤل والمراجعة؟ من المغالاة المناداة بوحدة اندماجية. فأمام وحدة كهذه عقبات وعقبات، تبدأ من التباينات في الأنظمة السياسية ولا تنتهي في الخلافات الحدودية. لكن مقدمات الوحدة ممكنة وغير مستغلة ويمكن ان تبدأ من المسائل غير الخلافية، بحيث يتم التخطيط المتكامل للموارد البشرية ولبرامج التنمية ورفع المستوى التعليمي والثقافي مواكبة لتطور العصر، على سبيل المثال لا الحصر، بغض النظر عن بطء التطور في المسائل الحساسة التي تحتاج الى وقت طويل. اما الهاجس الأمني فيجدر بنا التوقف عنده لأنه يتعلق بوجود دول المجلس ومصير كياناتها وشعوبها. وهنا يجب الاعتراف ايضاً ان المجلس لم يقم بعد بصياغة مفهوم استراتيجي موحد للأمن الخليجي، يكون تطوير درع الجزيرة او توقيع اتفاقات امنية جماعية جزءاً لا يتجزأ منه ودرعاً واقية تجابه الطامعين بوحدة الموقف وتؤسس نموذجاً حضارياً مسالماً وقادراً على الدفاع الفعال عن نفسه حين تستدعي الحاجة. لن نتوقف عند كل نقطة التقاء يستطيع قادة دول المجلس تطويرها لمصلحة الشعوب الخليجية لكننا نقول ان هذه المنطقة تمتلك قدرات بشرية قابلة للتطوير ويجب الا تنحصر اهميتها الاستراتيجية في كونها تعوم على بحيرة نفط، فحصانة المنطقة مستقبلاً هي في تفعيل هذه القدرات من خلال اشراك اوسع شرائح المجتمع في القرار، وهنا تكمن الخطوة الرشيدة في انشاء المجلس الاستشاري والتي تفرض التعامل معه بجدية مطلقة واعتباره لبنة في صرح مشاركة هادئة لكنها اوسع وأشمل. ولا بد من الاشارة في اطار التفكير في مجلس التعاون ودوره الى ضرورة تجاهل الدعوات لضم دول اخرى اليه، فهناك الكثير يجب القيام به قبل هذه الخطوة، واهمها تعميق التعاون بين الدول الست وتحقيق نموذج صلب وفاعل وقابل للتوسع، من دون ان يعني ذلك ان التنسيق والتعاون مع الدول الطامحة ليسا مطلوبين بل هما ضروريان لأكثر من سبب. خلاصة القول ان مجلس التعاون الخليجي، رغم الآمال المعلقة على كل خطوة يتخذها قادته في الاتجاه الصحيح، مهما كانت صغيرة، مطالب بمراجعة شاملة لمسيرته بحسناتها وسيئاتها، بإنجازاتها وخيباتها، ومطالب ربما بالتفكير في عقد قمة استثنائية يكون موضوعها واحدا: مراجعة نقدية لمسيرة التعاون. فهذه المسيرة تستحق هذه المراجعة، وتستحق لقاء او خلوة تبتعد عن الشكليات المتبعة والبيانات الختامية الجاهزة، فتكون قمة العقل والقلب على السواء وقمة القمم لأن منها معرفة الذات ماضياً وحاضراً وطموحات مستقبلية. رئيس التحرير
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي