موقف كويتي واحد


كان ضرورياً أن يتم توضيح تصريحات الشيخ صباح الأحمد عن الموقف الكويتي من ضربة محتملة للعراق. وظهر ذلك جلياً بعدما بالغت وسائل الإعلام في تفسير الموقف وفي اجتزائه من إطاره العام، وفي اختيار ما يصلح مادة مثيرة، وربما ما قد يفيد العراق في حملته الحالية لمواجهة الأمم المتحدة والولايات المتحدة على السواء.
بالأمس راهن كثيرون على اختلافات في وجهات النظر داخل الكويت ولكن خاب فألهم. فتوضيحات وزير الخارجية الإضافية وبيان مجلس الوزراء وتصريحات وزير الدفاع أتت مكملة لبعضها، وألغت التناقض الذي عقد عليه بعض المتصيدين في الماء العكر الآمال.
ماذا قال الشيخ صباح؟ أو ما مضمون ما قاله الشيخ صباح؟ كل ما في الأمر أنه صاغ موقف الكويت الثابت بأسلوب آخر. الجوهر لم يتغير. الكويت دائماً مع الحل الديبلوماسي. والكويت دائماً ضد العنف وضد استخدام القوة، لأنها دولة مسالمة، ولأنها كيان عانى من مآسي العنف ودفع الثمن من حياة أبنائه وأموالهم. لكن الكويت لا تتحمل مسؤولية الحرب لو دفع إليها صدام المجتمع الدولي دفعاً. والكويت لا تختبئ وراء أصبعها وتقول إنها غير معنية إطلاقاً بما يجري. فالعراق جار الشمال الذي يهدد على الدوام. وصدام لا يزال صدام الذي ألغى الكويت، والذي لم يخرج منها إلا مهزوماً ذليلاً، والذي لا يزال يبيت الشر ويخطط لعملية سلب جديدة حين تحين له الفرص.
أما شعب العراق فالموقف منه لم يتغير. منذ مؤتمر جدة وطوال السنوات التي أعقبت الغزو شعرت الكويت بمعاناة العراقيين وتضامنت مع آلامهم، وقامت بما يفرضه الواجب في هذا الإطار، وهي تعتبرهم رهائن في أيدي النظام. وتتمنى أن يفك الله أسرهم وأسر أسرانا على السواء.
نعم الكويت ضد استخدام القوة. لكن الكويت لا تدير ظهرها لحلفائها ولا للمجتمع الدولي الذي ساندها. ولا تستطيع الكويت أن توازن بين الدول، عربية أم غير عربية، التي حاولت تمرير «الحل العربي» إبّان الغزو بما يعنيه من استمرار الاحتلال وبين الدول التي حشدت الجيوش والتأييد لإخراج المعتدي واستعادة البلد، مهما قيل عن مصالح فرضت ذلك.
ما قاله الشيخ صباح الأحمد صحيح. الكويت تفضل الحل السياسي. وما أوضحه وزير الدفاع صحيح أيضاً ومكمل لما قاله الشيخ صباح. الكويت متضامنة مع المجتمع الدولي ومع الولايات المتحدة في سعيها إلى إرغام صدام على التزام قرارات الأمم المتحدة. وما أعلنه مجلس الوزراء خلاصة كل المواقف الكويتية وأساس سياسة الكويت.
مرة أخرى تنتبه الكويت إلى أن المتربصين بها كثيرون، وإلى وجوب أن تحذر كلام العواطف واستدرار الشفقة، أو كلام الخداع يصوغه البعض بحجة الأمن القومي وبحجة التناغم مع «الجماهير» العربية. لقد رأينا هذه الجماهير، أو ما يسمونه «الشارع» العربي أثناء الغزو، وشهدنا ذلك الموقف المشين. ولا مبرر لتكرار التجربة أو للوقوع في فخ الساعين إلى شق صفوفنا أو تشويش رؤيتنا لحقنا ومصالحنا. ونحن أدرى من غيرنا بهذه المصالح وأدرى من غيرنا بطبيعة الأزمة الحالية، وأكثر العارفين من هو صدام. وما هو نظام صدام.
من أجل كل ذلك فإن موقف الكويت حكومة وشعباً واضح وواحد: نحن مع الحلول السياسية لكننا متضامنون قلباً وقالباً مع المجتمع الدولي ومع حلفائنا الذين جرَّبونا وجرَّبناهم. وسنبقى على موقفنا من نظام صدام لأنه جرَّبنا وجرَّبناه.
رئيس التحرير