ديموقراطية خليجية هادئة


تثير الانتخابات العمانية التقدير والاحترام. ويتناسب الشكل الذي جرت فيه هذه الانتخابات مع طبيعة المجتمع العماني البسيطة والمتبصرة والبعيدة عن التطرف.
ولا شك أن المجتمعات الخليجية بدأت تخطو نحو مزيد من الديموقراطية. فإنشاء مجالس الشورى وتعزيز سلطات الدولة الرقابية وفصل الخاص عن العام، من البشائر التي تدعو أي مواطن خليجي الى النظر بعين الارتياح الى تطور تدريجي في الممارسة الديموقراطية شعاره الهدوء والثبات. ولا يمكن إلا أن يسجل بإعجاب قرار عمان إشراك النساء في الترشيح والانتخاب. فالخطوة هي الأكثر تقدما حتى الآن في الممارسة الديموقراطية الشعبية في الخليج. وهي تتخطى حاجزا لا يزال يحول دون إشراك نصف المجتمع في القرارات. بل هي خطوة تفتح النقاش واسعا أمام المطالبين بحق المرأة في الانتخاب والمعارضين لهذا الحق. وهو نقاش قديم لا بد أن يتجدد ويفضي الى نتيجة منطقية وواقعية مهما طال الوقت.
بالطبع، من غير الجائز نسخ تجربة بلد خليجي ما وتطبيقها على بلد خليجي آخر، لكن العناوين الرئيسية للمرحلة المقبلة التي ندخل فيها القرن الواحد والعشرين بدأت ترتسم، وهي مشجعة وتدفع الى التفاؤل، خصوصا ان التغيير يأتي طبيعيا، وان التطوير هاجس الحكومات مثلما هو هاجس المواطنين.
تستحق تجربة مجلس الأمة في الكويت وتجارب مجالس الشورى الآخذة في الانتشار والتطور في سائر دول مجلس التعاون التقدير والاهتمام. وتستحق أن ينظر إليها من دون أفكار مسبقة أو أحكام تنتقد نقص شموليتها أو تأخذ عليها تأخرها سنوات. وآخر من يحق له النقد في هذا الإطار أرباب النماذج السائدة في العالم العربي. فهم تغنوا كثيرا ولا يزالون يتغنون بالديموقراطية والمساواة والمشاركة. لكن الشعارات بقيت شعارات، والنتائج فضحت الادعاءات.
وكما لا يحق لأصحاب التجارب العربية الفاشلة النظر شزراً إلى الديموقراطية الخليجية، فإنه من الظلم أيضا مقارنة الديموقراطية الخليجية الناشئة بالديموقراطية الغربية، أو الدعوة إلى محاكاتها سريعا. أكيد هناك مبادئ عامة يفترض في كل ديموقراطية أن تأخذ بها. وأولها الاقتراع الحر ومشاركة كل أبناء الأمة في الاختيار واحترام الدستور وحقوق الإنسان. وهي مبادئ يجب أن يستمر العمل على ترسيخها في المجتمع لأنها المعيار الأساسي في الحكم على دولة من الدول وفي تناول موضوع الديموقراطية والنقاش حوله من دون أساليب تعمية، دينية كانت أم قومية أم غير ذلك.
أما الخصوصية فإنها لا تتعارض إطلاقا مع المبادئ العامة إلا حين تستخدم لأهداف ضيقة أو شعبوية أو حين تُستغل شعاراً من أجل الحفاظ على مكاسب، أو حين تنطلق من قصور في فهم حركة التطور، أو من تخلف في الانسجام مع متطلبات التقدم الحضاري. والأكيد أن الخصوصية العمانية تجلت في الانتخابات بأبهى صورها وبأفضل انسجام مع ديموقراطية ناشئة، حكيمة وهادئة، وهي بالتأكيد ديموقراطية واعدة.
رئيس التحرير