كلام ما بعد العاصفة


أما وقد هدأت العاصفة إثر بلوغ التصعيد السياسي ذروته في المهرجان الخطابي نتيجة مزاوجة المعارضين بين الاعتراض في المجلس والاحتجاج في الشارع، فإن الوقت صار داهماً، والمسألة لم تعد تحتمل، والواجب بات يفرض استخلاص النتائج والعمل بموجبها.
في لعبة الاحتجاج السياسي الذي تبع محاولة الاغتيال الآثمة جربت الحكومة المعارضين، وجرب المعارضون الحكومة. ومرت البلاد بتجربة الأزمة وحبست أنفاسها. وبين حكومة متهاونة ومجلسيين كلاميين انتظرت الأكثرية من ابناء هذا الوطن التطورات مسلِّمة مصيرها للطرفين، ومسلِّمة مصير البلاد لخطأ ممكن من هنا ومبالغة رؤوس حامية من هناك.
أن نتكلم الآن ونضع الاصبع على الجرح فلأنه حان وقت الكلام الحقيقي بل الفعل المرافق للكلام العاقل. وحان وقت التحرر من العواطف أو من تجاذب فرضه الحدث وفرضته متطلبات سياسية تحكمت بها قوانينها وقد لا يكون المواطن ومصلحته جوهرها وهدفها.
كلنا يشكر العناية الالهية ــ انقذت النيباري وزوجته وساهمت في ضبط الجناة ومنع الفتنة ــ لكن الفتنة ليست مفهوماً مجرداً، بل هي ظروف وأدوات. وليست حالة عابرة بل حالة كامنة تنتظر مفتناً يحرك السكون أو مستهتراً يترك المأجورين يلعبون بالنار. ولا نذيع سراً لو قلنا ان سنوات ما بعد التحرير كانت بؤرة خصبة نما فيها العابثون بالقانون، في ظل تراخٍ رسمي ودعم من جهات نافذة في الحكومة. فتمادى الجناة. وتهيأت ظروف الفتنة.
قد تكون جريمة محاولة الاغتيال شخصية في الظاهر، غير أنها في كل الأحوال ذات أبعاد سياسية بحكم موقع طرف واحد على الأقل فيها. لذا وجب التعامل معها وكأنها جريمة على مستوى الوطن تستهدف الاستقرار والديموقراطية والنظام العام.
هل يمكن الاستفادة من الجريمة؟ نعم. منطق الدولة يسمح بالاستفادة ويرغم أصحاب القرار على الاستفادة، فهي مناسبة ذهبية للحكومة كي تمسك نفسها قليلاً وتدرك أهمية المرحلة وحساسيتها، فتقرر اتباع اسلوب جديد في تطبيق القانون، كونها لم تمارس بدهية تطبيق القانون، ولتكن مناسبة تقرن فيها القول بالفعل، فتضع الجميع تحت طائلة المسؤولية وتمنع المحسوبيات والتدخلات التي هي أساس الفساد، وتقوم بأبسط واجباتها... حماية المواطن وحماية الوطن انطلاقاً من الدستور والقوانين.
لسنا هنا في معرض الوعظ (لئلا ندخل في كلام الحق وكلام الباطل)، لكننا نقول ان تطبيق القانون يبدأ بالتطبيق المباشر وعدم التساهل مع المخالف وينتهي بانزال أشد العقوبات بالمجرم وبإبعاد من تثبت علاقته المادية او المعنوية بأي مخالفة وبأي جريمة او بمرتكبيها عن أي منصب حساس في الدولة للحؤول دون ادوات أخرى تمارس الدور نفسه مستقبلاً بضمان من يدعم هذا الدور في الحكومة او يتغاضى عن ممارسة الشواذ وانتهاك القوانين.
جربت الحكومة المعارضين، وجرب المعارضون الحكومة. ونحمد الله على ان «توازن الرعب» بين الطرفين جنب البلاد ازمة كبيرة أو خطر السقوط في المحظور، لكن المواطنين الواقعين بين الطرفين ليسوا مضطرين لأن يشهدوا تكرار تجارب من هذا النوع، وهم في غنى عن دفع أثمان الاستهتار من جهة ومشاعر الغضب، ولو مبرراً، من جهة أخرى. لذا آن الأوان للخروج من ثنائية طردية تعطل الدولة وتعطل القانون.
والمبادرة في يد الحكومة. فهي أولاً وأخيراً مسؤولة عن استعادة مصداقية الدولة المهتزة، ومسؤولة عن استعادة حقها في هيبتها المفقودة، ومسؤولة عن حق المواطنين في دولة تحترم وجودهم... بل تحترم وجودها.
رئيس التحرير