هل انتهى إعلان دمشق؟

تصغير
تكبير
صغُرت جزيرة حنيش أم كبُرت، فإن احتلالها من قبل أريتريا دليل وافٍ على غياب نظام عربي يستطيع منع الاعتداء أو فرض الهيبة للتوصل إلى حلول عادلة. وغياب هذا النظام ليس جديداً لنكتشفه مع قيام دولة صغيرة على البحر الأحمر بمغامرة محسوبة نتائجها أم غير محسوبة. فهذا النظام تعرَّض لزلزال كبير حين غزا العراق الكويت ضارباً عرض الحائط بكل مبادئ التضامن العربي وحسن الجوار والمصير القومي المشترك. وإذا كان العالم العربي خرج ممزقاً من تجربة الغزو التي استهوت أنظمة عدة و«جماهير» عريضة، فإن التجربة نفسها أثبتت ثبات نواة واحدة في هذا النظام، وهي «مجلس التعاون الخليجي» الذي وقف وقفة رجل واحد إلى جانب الكويت، في حين انفرط عقد مجلس التعاون العربي، ودخل اتحاد المغرب العربي في غيبوبة لا يعلم إلا الله متى تنتهي. من هذه النواة الخليجية تحديداً، بدأت إعادة ترميم النظام العربي بإعلان ولادة «إعلان دمشق» الذي ضمَّ إلى جانب دول مجلس التعاون كلاً من مصر وسورية. وكان إنشاء تجمع الدول الثماني هذه بمثابة نتيجة منطقية لتضامن مصر وسورية على المستوى الرسمي مع الكويت ومشاركتهما في عملية التحرير. لم تستطع دول «إعلان دمشق» التوصل إلى مفهوم واحد للعمل العربي المشترك، ولا إلى نظرة واحدة للمسائل المطروحة على المستوى القومي. لكنها استطاعت التوصل إلى قواسم مشتركة حققت لكل طرف جزءاً مما يبتغيه. فكان همُّ الكويت ودول مجلس التعاون الحفاظ على تضامن يبقي الحصار قائماً على نظام بغداد، لمنع تكرار جريمته في حق الكويت، ولإفساح المجال أمام دول الخليج لتعيد تنظيم قدراتها بطريقة تستطيع معها الدفاع عن نفسها في المستقبل. وفي هذا الإطار نجحت في ضبط توجهات سعت إلى إعادة صدام إلى العائلة العربية تحت شعار «عفا الله عما مضى»، ونجحت في الحؤول دون تمكين المعتدي من الاستفادة من التناقضات في المنطقة العربية للعودة إلى الساحة. أما مصر وسورية فنجحتا في الحصول على مساعدات خليجية مثلما نجحتا في منع انجراف بعض الأطراف الخليجية في عملية تطبيع سريع مع إسرائيل أرادته واشنطن والدولة العبرية على السواء، إضافة إلى مكاسب سياسية أخرى. ولم يكن «إعلان دمشق» ليقوم لولا حاجة الأطراف الموقعة عليه إلى هذا التجمع. فالخليج مثلاً إحدى حلقات الوصل بين دمشق وواشنطن، ودمشق إحدى قنوات الحوار بين الخليج وإيران. وإذا كانت الديبلوماسية الخليجية التي تسوِّق دمشق أميركياً تفضل الابتعاد عن ضجيج الإعلام، فإن الديبلوماسية السورية التي خففت التراشق الإعلامي بين المنامة وطهران اجتذبت كثيراً من الأضواء. في المقابل كان الخليج مدخلاً لمصر في استعادتها الدور الذي تطمح إليه في العالم العربي. فتضامنها مع دُوله أعادها إلى زعامة الأمة العربية، ودفن إلى غير رجعة محاولات العزل التي تعرضت لها إثر التوقيع على اتفاقية كمب ديفيد. وكانت قمة العودة إلي الواجهة انعقاد القمة العربية في يونيو الماضي في القاهرة والمواقف التي جاءت في قراراتها. نجح «إعلان دمشق» ولم ينجح. نجح في تحقيق أهداف كل من الأطراف الموقعة عليه، لكنه عجز عن أن يشكل بحد ذاته نواة لنظام عربي متماسك. وكان يستحيل عليه ذلك للفروقات بين أنظمة دُوله وتوجهاتها السياسية والاقتصادية. وفي هذا الإطار لا ننسى أن «إعلان دمشق» لم يشكل أمانة عامة ولم ينعقد ولا مرة واحدة على مستوى القمة على رغم عقده 31 اجتماعاً لوزراء الخارجية. ولم يستطع تنسيق التعاون الاقتصادي والمساعدات إلا بعد ما أعاد وضعها في الإطار الثنائي نظراً إلى تفاوت قدرات الدول الخليجية. نظلم «إعلان دمشق» لو طالبناه بأكثر مما يستطيع. نظلمه لو تساءلنا مع المتسائلين: هل انتهى؟ أم لم ينته؟ فهو ليس بديلاً من التجمعات الجهوية المتماسكة أنظمة وتوجهات مثلما هو ليس بديلاً من القمة العربية ومؤسسة القمة العربية، لو تحولت إلى مؤسسة. وهو باختصار تجمع سياسي مرحلي يستمر باستمرار حاجة أطرافه إليه. لكن، ما الضير في تفعيله بدل تركه ينازع في غياب تجمعات بديلة؟ بالتأكيد لن يرفض أي مواطن في الدول الثماني تطوير التعاون الاقتصادي والسياسي وخصوصاً الأمني. فبالإضافة إلى أن التعاون أمر مطلوب ومرغوب فإن، بين الأطراف الموقعة على «الإعلان»، حاجة لم تذهب بذهاب مبرراتها ومرحلة لم تنتفِ أسباب المرور فيها. وهي على أي حال يجب أن تمهد لتعاون على مستوى أوسع بين الدول العربية مجتمعة لتحقيق أهداف الأمة في السلام العادل والتنمية واحترام الجوار والكيانات. هكذا نفهم نحن في الخليج تلك الأهداف. وهكذا يفترض بسائر الدول العربية أن تفهمها إذا أرادت أن تضع نفسها على سكة التطور وتستقبل القرن الواحد والعشرين بلا عقد ولا أحقاد، وإذا أرادت التأسيس فعلاً لنظام عربي متماسك يواجه التحديات ليس في حنيش صغُرت جزرها أم كبُرت، بل في سائر نقاط الضعف والاختبار على «الثغور»، وفي الداخل وأولها وأهمها ضعف الديموقراطية واختبار العدالة العسير. الرأي العام
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي