لغة دولة عظمى؟

تصغير
تكبير
نشكر الناطق باسم الخارجية الأميركية نيكولاس بيرنز لأنه ذكّرنا بوجود مجلة محترمة متخصصة في الشؤون العسكرية هي مجلة «جينز». وله منا جزيل الامتنان كونه لفت نظرنا الى أن المعدات الأميركية أفضل من الصينية أو الأوروبية (ومن يجرؤ أن يقول عكس ذلك؟) وعظيم الشكر للسيد الناطق لأنه ظن أننا نسينا أفضال بلاده علينا فحاول أن ينعش ذاكرتنا بقوله: «إن واشنطن خاضت حرباً لتحرير الكويت من صدام وإنقاذها الأسرة والاقتصاد والمجتمع. ونظن أن الكويت لم تنس ذلك». ان يهتم المسؤولون الأميركيون بتقرير «سربوه» إلى «واشنطن بوست» عن نية كويتية لشراء أسلحة صينية أمر طبيعي وبديهي من دولة تعرف كيف ترعى شؤونها، لكن ما هو غير طبيعي أن يأتي الكلام بعيداً عن الديبلوماسية اللائقة وغير لائق في شكله ومضمونه. وكأن الموظف الذي أطلق الكلام وصيّ علينا او كأنه استاذ يلقي درساً على تلامذة عاقين. ولأن التصريح خطير وملفت للانتباه فإنه يجب أن لا يمر مرور الكرام. فهو بادئ ذي بدء يمثل تدخلاً صارخاً في الشؤون الداخلية الكويتية. الا اذا اعتبرت واشنطن ان الكويت دولة غير ذات سيادة وان حقها البديهي هو أن تملي عليها كيف تحكم نفسها وكيف تشتري أسلحتها. ومن يدري فربما تستحل واشنطن ان تملي علينا كيف نتزوج وكيف ننجب الأولاد وألوان الدشداشة وطرق التصرف. ونقول بصراحة اننا لا نقبل ان يعطينا الأميركيون دروساً في تقويم ما نريد شراءه أو في كيفية اختيار ما نعتقد أنه الأفضل لقواتنا المسلحة والأكثر انسجاماً مع سياساتنا الدولية والاقليمية والمحلية. لاتدعي الكويت أنها دولة كبرى، مثلما لا تدعي أنها كانت قادرة بقواها الذاتية ان تمنع الاحتلال او تدحر الغزو. وهي تعترف بفضل أميركا ودول التحالف في انجاز تحريرها، غير أنها كانت تعتقد ـ ربما واهمة ـ أن التقاء المصالح مع المبادئ كان المحرك الأساسي لتحرك واشنطن وردها على الغزو. لكنها الآن، وبعد تذكير بيرنز بفضل واشنطن على الكويت وعلى الأسرة وعلى كل المجتمع، تدرك أن هاجس المبادئ ربما كان آخر اهتمامات الإدارة المصون وان البيع والشراء عنوان عريض للنظام العالمي الجديد وشعار راعية الديموقراطية واللاعب الوحيد في العالم. غريب أمر واشنطن، يثيرها إمكان عقد صفقة مع أي طرف غيرها، فتنسى ان هناك اصولاً في التعامل مع الدول حتى ولو كانت صغيرة ولا تملك أسلحة الدمار ولا تهدد الأمن الاقليمي أو الدولي. وتنسى أن الدول مهما صغرت فإنها تعتقد جازمة بانها صاحبة سيادة وصاحبة موقع وبأن لها مصالحها وأسلوبها ولا ترضى بأن ترغم على ما ليس ترغب فيه اللهم الا اذا كانت خانعة أو عميلة. مثلما يذكرنا الأميركيون بأفضالهم علينا نريد تذكيرهم بأن الكويت لم تكن لتتحرر لولا إيمان أهلها بدينهم وربهم وثقتهم في حكامهم والتفافهم جميعاً حول رمزهم وحسن استخدامهم لموارد تجمعت عبر سنين من حسن التدبير وكانت مداد المعركة. والأهم من ذلك ان الله أنعم على الكويت في شدتها بتلاحم أشقائها وعلى رأسهم المملكة العربية السعودية، فلم تشعر للحظة أنها متروكة فريسة للمتعجرفين وسليطي اللسان. قد يكون حسن الحظ جعل السيد بيرنز يكشف النوايا باكراً، ويذكّر الكويتيين بأن واشنطن مستعدة لأي كلام ولأي تصريحات «تحت الحزام» من أجل حفنة من الدولارات تكسبها من دولة صغيرة تحترم الديموقراطية وحقوق الانسان، في حين لا يستثيرها انتهاك حقوق الانسان في أكثر من مكان في العالم طالما ان حفنة الدولارات غير معرضة للخطر. ولأن القضية قضية تذكير وذاكرة، فليتذكر الأميركيون ان صغر حجمنا وظروفنا الصعبة مع جار الشمال لا يعنيان أننا نقبل ما يتعارض مع مصالحنا أو أننا نرضى الركوع لغير الله سبحانه وتعالى. ولا شك أن الاقلاع عن هذا الاسلوب اجدى لمستقبل التعاون بين دولتهم الكبيرة ودولتنا الصغيرة. رئيس التحرير
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي