دولة الموقت

تصغير
تكبير
كلما اشتد الجدل بين الحكومة ومجلس الأمة أو بين بعضها وبعضه، وانفلت حبل الكلام من عقاله تارة للمزايدة وطوراً للتهويل وأحياناً كثيرة لإضاعة الوقت وتغييب الأساس، كلما ازدادت حاجتنا نحن الكويتيين إلى العودة إلى الأسئلة الصعبة والأساسية. وأهم الأسئلة عن الدولة وديمومة الدولة وكيفية الخروج من واقع الموقت الذي لبسها وتلبسته. بين كل اتهام واتهام مضاد، وتلويح وتهديد مقابل، تبدو المؤسسات الدستورية وكأنها علب كرتون قابلة للاهتزاز وسريعة العطب، فلا النقاش بين ممثلي الأمة والحكومة يبقى صحياً، ولا حساب المقصرين والناهبين والمتلكئين يبدو خارجاً عن حسابات شخصية، وكأن الدولة ومشروع الدولة مؤجلان إلى أن يخلق الله ما لا تعلمون أو كأن المؤسسات عابرة في كلام عابر. أخطر ما في كلمة العبور أو الموقت هو أنها لم تعد حكراً على محترفي السياسة والمماحكات ولا على طالبي المناصب والمكاسب، فالحكومة بإضفائها هذا الطابع على سياستها جعلت من الانطباع ممارسة، ومن الخوف مؤسسة، ومن الموقت أساساً. فمباني الحكومة موقتة وجسورها موقتة ومنشآتها موقتة ومشاريعها الطويلة الأمد نادرة ندرة الحكمة في تخطيط السياسة وسوس الرعية. فأين تشجيع القطاع الخاص للاستثمار الطويل الأجل في الكويت؟ وأين الخطط لتكوين بنية تحتية ثابتة؟ وأين المعالجة الاجتماعية الحاسمة لقضايا البدون والبطالة والتوظيف؟ وأين الوضوح في الموقف من تعديل المادة الثانية من الدستور والدفاع عن هذا الموقف مهما كان؟ وغيرها وغيرها من الأسئلة تطول وتطول، وكلها تبقى معقولة ومقبولة ويستطيع المواطن التعود عليها بشق النفس لو أنها لا تعطف على مسلسل التخويف الدائم من جار الشمال، يأتي على ألسنة المسؤولين وتتناقله وسائل الإعلام من دون معطيات ولا معلومات. ومن ذلك نتائج وخيمة على الوضع النقدي وعلى الاستقرار الاقتصادي، وكأن النافخين في بوق التخويف والتهويل لا همّ لهم سوى تكريس صيغة الموقت في حياة الناس، والناس باتت تعيش على هذا الأساس، فالبيت صار يبنى دوراً بدلاً من دورين، والودائع باتت في بنوك الغرب، وشراء الشقق والمساكن ازدهر في دول الخليج والدول العربية والأجنبية بفضل اقبال الكويتيين واعتبارهم انه من الضروريات وليس من الكماليات. وبعد، فمن غير المعقول ان نطالب المواطن الكويتي بعدم السخرية والنظر باشمئزاز إلى تهم يتقاذفها السياسيون وإلى مكائد ينصبها أصحاب الدسائس غير آبهين بهيبة الدولة وكرامة المواطن وحاجة الكويت إلى تثبيت الاستقرار وتعميق مشاعر الانتماء والدوام. غريب أمر الحكومة وغريب أسلوبها، تشك في كل شيء وتريد ان يتسرب الشك إلى نفوس كل الكويتيين، حبذا لو تعلم أو تتذكر أن الكويتيين مؤمنون بديمومة وطنهم وأثبتوا ذلك أثناء تجربة الغزو المريرة بوحدتهم وصلابتهم ومقاومتهم والتفافهم بكل طوائفهم وفئاتهم خلف قيادتهم الشرعية، ويا ليت الحكومة تستفيد من تجارب الناس وتتوقف عن ممارسة أسلوب الجازعين الخائفين على مصالحهم ومصالح من يلوذون بهم، ولا بد من مراجعة الأسلوب في التعامل مع الواقع كي لا تستمر الكويت دولة وشعباً تتصرف على أنها «» وتصير المؤسسات خيمة مضروبة في فيافي الصحراء تقتلعها الريح إن اشتدت ويهجرها ضاربوها لو فقدوا مقومات البقاء ومشاعر الاطمئنان والدوام. رئيس التحرير
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي