أولبرايت ومشكلة الأولويات


لا يمكن الحديث عن فشل زيارة أولبرايت مثلما لا يمكن القول إن مهمتها نجحت. ففي الواقع لم تكن أولبرايت تنوي أكثر من عملية تحريك للجمود السائد في العملية السلمية، ولا أكثر من محاولة بلورة اقتراحات تعطي حقنة تنعش الأمل باستمرار هذه العملية، من غير أن تخرجها من غرفة العناية المركزة.
غير أن السيدة أولبرايت ضلّت الطريق في مواقع كثيرة وتعامت عن الحقيقة في أكثر الأحيان، فنسيت جوهر الموضوع وتعلقت بالظواهر. ولأنها فعلت ذلك جاءت نتائج زيارتها هزيلة وعلى قدر التوقعات الأميركية لها. فهي في الأراضي الفلسطينية وإسرائىل ركزت على الإرهاب الفلسطيني ولم تكن حاسمة في موضوع الاستيطان فقصرت انتقادها على «الاستيطان الاستفزازي، ونسيت ان هذا الإرهاب هو نتيجة لسلوك عصابة ليكود التي تحكم إسرائىل ولاستفزازات نتنياهو وضربه عرض الحائط باتفاقات أوسلو وايصاله الفلسطينيين إلى حدود اليأس.
ومثلما تصرفت أولبرايت في الأراضي الفلسطينية وإسرائىل تصرفت في أبها مع وزراء خارجية دول مجلس التعاون. فهي تريد مشاركة في قمة الدوحة مفصولة عن التقدم في عملية السلام، وكأنها تجهل أن القمم السابقة المشابهة في المغرب ومصر والأردن لم تكن لتعقد لولا مؤتمر مدريد، وتحقيق العملية السلمية إنجازات عدة من أوسلو إلى اتفاقات وادي عربة ونية جميع المشاركين في رفد هذه العملية بتعاون يؤسس لمرحلة جديدة في الشرق الأوسط.
وفي إعطائها أولوية للأمن والاقتصاد على العملية السلمية والسياسية، ضيعت أولبرايت فرصة استغلال تسلمها منصبها حديثا لدفع العملية السلمية خطوة إلى الأمام، مثلما ضيعت فرصة تأمين مشاركة عربية فعلية في مؤتمر الدوحة أو تحسين التمثيل فيه على الأقل.
ولا يكفي السيدة أولبرايت الانطباع بالحسم والجدية الذي تشيعه عن نفسها أو تعطيه. فالجدية تفيد حين يكون الموقف متوازنا مسلحا بالحق، والحسم ضروري حين يقف التطرف في وجه هذا الموقف. لكن ان تعتمد السيدة أولبرايت موقف صديقها نتنياهو وتطلب من الآخرين الانسجام معه، فإن ذلك يخرج حتما الجدية من الواقعية ويحول الحسم إلى صفاقة غير مقبولة.
تحتاج السيدة أولبرايت حتما إلى أكثر من زيارة للمنطقة لتتعرف إلى مشاكلها بعمق، وتحتاج بالتأكيد إلى مواقف متوازنة تنسجم مع تطلعات شعوب المنطقة كلها الراغبة في السلام، ومن دون ذلك سيستحيل على الراعي الأميركي استعادة ثقة الأطراف المشاركة في العملية السلمية لتستعيد هذه الأطراف ثقتها ببعضها بعضاً وتعاود العمل من أجل السلام.
رئيس التحرير