إسلام الانقسام... ومنطق الاعتدال

تصغير
تكبير
لو ابتعدنا عن لغة الأرقام وحساب أصوات المؤيدين والمعارضين لطرح الثقة بوزير الإعلام، فإننا سنكتشف أن الاستجواب الذي هو حق من حقوق النواب تحول من ممارسة ديموقراطية تجري ضمن المؤسسة الدستورية الى مشاحنات تقسم المؤسسة نفسها والمجتمع على السواء. وفي ذلك مفارقة أكيدة كون موضوع الاستجواب هو موضع إجماع بين الكويتيين الذين يرفضون المساس بالذات الإلهية بقدر تعلقهم بالحريات بغض النظر عن آلية الاستجواب والأهداف منه. وخطورة ما جرى في ما استتبع الاستجواب عبر عنها بصراحة ولي العهد في مجلس الأمة. فهو كان صريحا ومباشراً، وأبلغ في كلامه القاصي والداني أن ما يحدث في الساحة ليس بالأمر الهين، وأن ما يحدث بالبلاد من جراء بعض الممارسات أخطر مما يتصوره البعض. حين تهدأ النفوس وتخرج البلاد من معمعة الاستجواب، سنكتشف أن الشيخ سعد وضع الاصبع على الجرح، وطرق موضوعاً كان لابد أن يطرح على بساط البحث عاجلاً أم آجلاً، وهو موضوع تسييس الإسلام واستغلال الدين لأهداف سياسية. وفي نقاش هذا الموضوع تكمن خطورة التعميم. إذ ليس العاملون لإعلاء شأن الدين جميعهم من المتأسلمين وليس الرافضون لاستغلال الدين بعيدين عن الجهاد في سبيل رفعة الإسلام. وكي لا نبقى في إطار الكلام العمومي نقول إن الكويت كانت دائما موئل المسلمين الصالحين وإن أبناءها كانوا ولا يزالون من خيرة المؤمنين، وإن العاملين من أجل الإسلام والدعوة كانوا مثالاً في الحكمة والاعتدال ولا يزال كثيرون منهم في هذا الاتجاه. فمن منا ينكر الأيادي البيض لكل من يوسف الحجي وعبدالله علي المطوع وعبدالرحمن السميط ونادر النوري وآخرين؟ ومن منا يستطيع المزايدة على هؤلاء وغيرهم ممن نذروا أنفسهم لخدمة الدين والمجتمع والمسلمين ليس في الكويت فقط بل في العالم أيضا؟ من هنا وجوب التمييز ـ ليس على سبيل التفريق ـ بل على سبيل وضع الأمور في نصابها بين ضرورة دعم كل جهد يبذل لنشر الدعوة الإسلامية داخل الكويت وخارجها وبين من يعمل لمصالح حزبية ضيقة. ومن هنا وجوب الحزم. فمجتمع الكويت مجتمع مسلم وتطبيق الشريعة في صورة صحيحة يجب ألا يكون مطلب فئة أو يأخذ منحى التحدي والصدام مع شرائح هذا المجتمع، لكن استخدام الدين للتسلق على حساب الدين والناس ولإثارة غرائز سياسية أو قبلية هو أمر مرفوض جملة وتفصيلا. كشف الشيخ سعد، وبصراحته المعهودة، ما خفي من اللعبة، ووضع الأوراق المستورة أمام أعين اللاعبين والمواطنين. فلا مجال للعودة الى الوراء، لكن المطلوب من الحكومة معالجة هادئة وقرارات بحجم أهمية الحدث، تتخذ بروية وحكمة بعيداً عن التشنج وضغط الأحداث. فمسؤوليتها، مهما كانت الخلافات والانتقادات، رعاية الجميع وصون الجميع والوصول بالجميع الى منطق الاعتدال والتسوية الذي لا تستقيم الأمور من دونه، ولا كويت إن غاب هذا المنطق. رئيس التحرير
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي