«الضد» بين عاصفة الصحراء ورعدها

تصغير
تكبير
بعد ثماني سنوات على الغزو العراقي الغاشم للكويت تبدو المواقف العربية في الأزمة الراهنة بين واشنطن وبغداد معقولة الى درجة كبيرة. فالحكومات والسلطات في معظم تلك الدول تتفهم مواقف الأمم المتحدة وواشنطن ولندن من جهة، وموقف الكويت ودول مجلس التعاون الخليجي من جهة أخرى، وهذه الدول إما مقتنعة بتفهمها وإما متفهمة أنها لا تستطيع سوى الاقتناع. والمسألة هذه المرة ليست مسألة تسجيل مواقف ومسايرات تارة للشارع العربي وطورا للشارع الاسلامي. فالشارعان أضعف مما يمكن الركون اليه تأييدا وتهييصا وشعارات فارغة. والواقعية السياسية مقرونة بالتعلم من التجربة تجعل بعض الحكومات يتردد في تحريك هذين الشارعين وتضليله كما حصل ابان حرب تحرير الكويت. ولعل السياسة الحكيمة التي انتهجتها الكويت في رفض التسرع في التطبيع مع دول الضد أثبتت أنها مجدية. وأظهرت أن الدعوات العربية الى سياسة «عفا الله عما سلف» لم تكن سوى دعوات لذر الرماد في العيون وللصفح عن الاساءات، وهو سلوك إن كان محمودا بين الأفراد والعشاق فليس ضروريا أن تعتمده الدول. وللقارئ أن يتصور الآن ما موقف دول الضد وشوارعها لو طبّعت الكويت العلاقات معها اثر الغزو مباشرة. وللكويت ان تهنئ نفسها بأن سياستها المتشددة في هذا الاطار أثبتت حقها وأحدثت صدمة لدى الذين كانوا مضللين، مثلما جعلت الخبثاء والحاقدين يبتلعون الموسى. فأين تظاهرات الضفة وعمان الحالية من تظاهرات العام 0991؟ وأين ردود الفعل عليها في ذاك الوقت من رد فعل السلطات عليها الآن؟ وأين أناشيد وهتافات «أصدم أصدم يا صدام» في المغرب العربي من صمت القبور الغارقة فيه الدول المغاربية في الوقت الراهن؟ لا يعني زوال «دول الضد» ان النزعات الصدامية اختفت. فهي كامنة في العقل العربي، ولدى بعض الحكومات، وفي الشارع، وبعض المساجد أزهرها وأقلها عراقة، وبين كثير من المثقفين والفنانين. فمن البكاء على أطفال العراق على طريقة لويس فراخان، الى شحن الأدوية على طريقة يوسف شاهين وجيرينوفسكي، وصولا الى التنديد بالامبريالية الأميركية والحرص على نفطنا وطهارتنا على طريقة «عروبيي» لبنان في الحكم والمعارضة، سلسلة تترابط حلقاتها. وليس التنديد بسياسة الكيل بمكيالين الا التعبير الحالي عن مواقف تشبه مواقف دول الضد أثناء الغزو. وكأن الكويت مسؤولة عن ارتكابات اسرائىل أو كأنها يجب أن تنتظر نشر العدل في كل أرجاء العالم حتى يزول الخطر عن حدودها وتعيش بمأمن من ديكتاتور الشمال. تفهم الكويت ان تكون لكل دولة أولوياتها، وأن تكون لكل دولة مصالحها تبني مواقفها على أساسها. لكنها لا تفهم خوف البعض من رحيل الديكتاتور ولا تعلم ما الذي يضير هذا البعض لو أزيلت أسلحة الدمار الشامل التي يملكها صدام والتي لا يهدد بها سوى جيرانه الأقربين. من المهم كثيرا ان تؤكد الكويت ان الأزمة الحالية هي بين بغداد والأمم المتحدة وبين بغداد وواشنطن ولندن، وأن لا تظهر في واجهة الأحداث أو بمظهر المحرض. لكن من الضروري أن لا تختبئ الكويت وراء اصبعها، بل ان تعتبر نفسها أول المعنيين بالوضع القائم وانعكاساته، وان توضح للأشقاء والأصدقاء ان الكويت في شدة ومحنة وان المواقف من الأزمة تعنيها حكومة وشعبا ومستقبلا. فالمواقف ستدخل الذاكرة، وذاكرة الكويت تستطيع التمييز ولا تمحى بسهولة، ومثلما تعاملت مع دول الضد بعد «عاصفة الصحراء» فلا بد أن تتعامل مع النزعات الصدامية بعد «رعد الصحراء». رئيس التحرير
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي