استجواب الروضان... فصاحة الحقيقة وألاعيب السياسة


غدا حين تدق ساعة الاستجواب، يتمنى الكويتيون مع الوزير الروضان ان «تنطق الحقائق بأفصح لسان» بقدر ما يأملون ألاّ تكون الفصاحة حصنا يلجأ اليه المرتكبون وأن لا تتحول الحصانة متراسا لألسنة تحمي المتجاوزين على المال العام أو المتلكئين عن حماية هذا المال.
غدا حين يقرع ناقوس الحقيقة قد يستطيع الكويتيون تنفس الصعداء بدل حبس الأنفاس. فيكفيهم أسابيع كان خلالها الاستجواب حديث الشارع وقضية الرأي العام ومطلب كل مواطن حريص على ادارة البلاد بكفاءة ونزاهة وتجرد وبلا ارتجال. فالكويتيون، شارعا وصحافة، تفاعلوا مع الاستجواب وأدوا دورهم الرقابي الشعبي وقالوا كلمتهم التي تتوافق مع الدستور. والأمانة صارت لدى مجلس الأمة الذي يملك الكلمة الفصل في تقرير مصير الاستجواب ومصير الوزير المستهدف بالأسئلة.
مهما قيل في الاستجواب، ومهما صبغ بشبهتي التفرد والتسييس، فإنه يبقى إحدى الوسائل التي تظهر مدى رسوخ تجربتنا الديموقراطية ومدى عراقة تقاليدنا البرلمانية رغم حداثة مؤسساتنا. ولا شك في ان أعين الخارج ستكون مفتوحة على موضوع الاستجواب، وسيحكم المراقبون، من خلال تطوره، على مدى استيعابنا التجربة الديموقراطية وعلى مصداقية وفاعلية هذه التجربة في هذه المنطقة تحديدا.
وعلى رغم ان الاستجواب هو في حد ذاته اختبار لمجلس الأمة الحالي واختبار للقوى السياسية فيه ولنمط التحالفات وتوزع الولاءات فإنه يجب أن ينجح ـ بوصفه عملية دستورية بحتة ـ ايا تكن نتائجه. وعوامل نجاحه تتعلق بطرفي النزاع فيه: الحكومة والموالين لها، ومقدمي الاستجواب والمتعاطفين معهم. والطرفان مسؤولان، ومن هنا وجوب ابتعاد الاستجواب عن الاستهداف السياسي المباشر وعن روح الانتقام أو التشفي وحصره في الأسئلة المقدمة وهي أكثر من كافية لاتخاذ إجراءات، في حال عجز الوزير عن الإجابة عنها، بما يرضي أفراد السلطة التشريعية أو بما يرضي ضمائر ممثلي الأمة لو نحّوا جانباً سياسة المحاور. وبقدر ما يتعامل مقدمو الاستجواب مع أسئلتهم بروح المصلحة العامة والتجرد، بقدر ما يفسحون في المجال للوزير ان يتعامل مع الاستجواب على أنه يستهدف أداءه وليس شخصه، أو بالأحرى يحولون دون محاولات محتملة منه لتصوير الاستجواب وكأنه حملة شخصية هدفها إطاحته أو إطاحة الحكومة أو فرض تعديل وزاري يحل بموجبه الطامحون محل الحاليين.
وربما كان الاستجواب أسير اللعبة السياسية، غير أن ذلك لا ينفي ضرورة الاستفادة منه. ونحن ننتظر «الصراحة» التي لوّح بها الوزير الروضان، ولتكن صراحة الواثق من صحة موقفه وليست حدّة المتعالي المتأكد من إفلاته من المحاسبة بسبب التضامن. ولماذا لا يعترف الروضان بالخطأ لو أدرك أنه بشر يصيب ويخطئ كسائر الناس؟ ولا شك أن إقراره بالأخطاء أو الهفوات إن وجدت وعرضه لأسلوب الاستدراك والمعالجة سيكسبانه احتراماً أكثر مما لو تسلح بأكثرية مرتبة تحــــول دون طـــــرح الثقة بشخصه أو دون إسقاطه لو طرحت الثقة.
وعلى أي حال فالخلاصة الحقيقية يجب أن تكون لدى الحكومة، إذ عليها أن ترى في الاستجواب مناسبة تستفيد فيها من الأسئلة والمعلومات وتتبين من خلالها مواقع الخلل لتعمل على تصحيحها. وأخطر شيء أن تفرح الحكومة بانتصارها لو استطاعت إنقاذ رأس أحد أعضائها، أو أن تتباهى بأكثرية ضمت قواسم أكثر من جوامع وبنيت على الفرقة والتضامن أكثر مما تجمعت على أساس ومبدأ.
أياً تكن نتيجة الاستجواب فإنه يبقى ظاهرة صحية وحقاً ثابتاً من حقوق النواب، تفرض المصلحة العامة والضرورة الوطنية اللجوء إليه حين يستدعي الأمر ذلك. وليست القضية سقوط وزير أو انتصار حكومة، إنما القضية هي بقاء وطن وإدارة سياسة من أجل أبناء هذا الوطن. وهي أمانة يحملها الصادقون القادرون وينوء بحملها الضعفاء المرتجفون مهما أنقذتهم لعبة السياسة أو ألاعيبها، ومهما تسلحوا بالصراحة أو الحصانة والفصاحة.
رئيس التحرير