كارثة السيول ودروس غياب التنسيق


بعد كارثة السيول التي حصلت الثلاثاء وحصدت ما حصدته من أرواح وخسائر، لابد من وقفة هادئة تضع الأمور في نصابها وتعطي كل ذي حق حقه، والأهم ألا تمر الكارثة دون تحديد المسؤوليات بغية الخروج بدروس وحلول.
بادئ ذي بدء تجب الإشارة إلى أن كمية المطر التي هطلت ليست عادية، بل هي أكثر من استثنائية، ولا يمكن بأي حال من الأحوال تحضير بنية تحتية لظروف قد لا تمر كل نصف قرن إلا مرة واحدة، لكن ذلك لا ينفي ضرورة التنبه للأحداث الطارئة وهو واجب كل مسؤول وكل سلطة.
ورُبَّ ضارَّة نافعة. فالمطر كشف المحاسن والعيوب. والتجربة التي مرت بها الكويت أول من أمس كشفت إيجابيات وسلبيات. فلقد تأكد الكويتيون بالملموس أن روح التعاضد والنخوة التي تملكت الشباب أيام الغزو لاتزال مشتعلة في نفوسهم. ولذلك شهدنا إقداماً من كثيرين لمساعدة من فاجأتهم السيول وغرقوا أو غرقت سياراتهم في شوارع غدت بلا معالم. ورأينا بأمّ العين كيف هرع كثيرون لنجدة ركاب سيارات تصادمت ولنقل الجرحى إلى المستشفيات.
كذلك لابد من التنويه بأن وزارة الصحة استوعبت كل الحالات الطارئة وأن الإدارة العامة للإطفاء قامت بعمليات الإنقاذ في شكل جيد وفقاً لإمكاناتها. ويقتضي الواجب ان ننوِّه بأن الأشغال تحركت بسرعة، فصرفت المياه من الشوارع خلال ساعات، وأعيدت الكهرباء بسرعة إلى المناطق القليلة التي انقطعت عنها، في حين بقيت الهواتف تعمل كالمعتاد.
ومثلما اكتشفنا إيجابيات لدى أشخاص وجهات. كذلك اكتشف الكويتيون، بل لمسوا لمس اليد أن ليس لدى الحكومة غرفة عمليات موحدة لمجابهة الكوارث تضم كل الجهات المعنية في الدولة لتنسق عملها في طريقة حديثة وفعالة. فالجهود الخيِّرة التي بُذلت كانت فردية واعتمدت على المبادرات الذاتية من قبل الهيئات أو الأفراد. ودفع الكويتيون ثمن غياب التنسيق تأخيراً في عمليات الإنقاذ وأضراراً كان يمكن تلافي وقوعها وأرواحاً ربما كان يمكن إنقاذ بعضها.
ما تقدم يدفعنا إلى التنبيه ورفع الصوت والمطالبة بتحقيق طلبين أساسيين. أولهما، وضع خطة طوارئ عامة للكوارث تشترك في صوغها كل الإدارات المعنية وتخلص إلى تشكيل غرفة عمليات موحدة تكون جاهزة في حال حدوث خطر مفاجئ. وثانيهما، حصر الأضرار وانصاف المنكوبين. ولا جدل في أن ذلك واجب. فالدستور الكويتي في مادته الخامسة والعشرين نص على ما يلي: «تكفل الدولة تضامن المجتمع في تحمل الأعباء الناجمة عن الكوارث والمحن العامة، وتعويض المصابين بأضرار الحرب أو بسبب تأدية واجباتهم العسكرية». لكن حذار ان يتم تشكيل لجنة تتفرع عنها لجان تدرس الملفات وتغيبها في أدراج النسيان. فالمسألة تحتاج إلى عمل فاعل وسريع. وليس أجدر من الهيئة العامة للتعويضات التي انشئت بعد الغزو للقيام بهذه المهمة. فجهازها الفني والقانوني قائم وجاهز ويستطيع مباشرة العمل. ولا منة لأحد على أحد في ذلك، فتضامن المجتمع واجب، وهو حق بديهي حين يكفله الدستور. والأكيد أن العبرة ليست في التقارير ولا في الجدل على المسؤوليات بل في استخلاص العبر للعمل بهدي الضمير والمسؤولية والقانون.
رئيس التحرير