قرارات جريئة توقف ديموقراطية التسيُّب


مُنع «التجمع الوطني الديموقراطي» من عقد مؤتمره التأسيسي أم طُلب إليه الحصول على إذن مسبق، ليس هذا بيت القصيد. فبيت القصيد هو الديموقراطية أولاً وآخراً. والديموقراطية لا تحتاج كثيراً من الاجتهاد للتعريف بها، بل تحتاج كثيراً من الاجتهاد والنوايا السيئة للانحراف عن تعريفها والتنظير لإلغائها أو لتشويهها. هي ببساطة القبول بالرأي الآخر والسماح لهذا الرأي بأن يعبر بأفضل السبل وأن يفسح له المجال للعمل السياسي السلمي والعلني.
لا نقول جديداً حين نؤكد أن وجود الأحزاب شيء طبيعي في العمل السياسي الديموقراطي في أي مجتمع وعلامة صحية على تمتع هذا المجتمع بالحرية والديموقراطية مثلما هي علامة على تقدم الممارسة السياسية واتخاذها أشكالاً متطورة تنأى عن الولاءات الضيقة والعصبيات المدمرة للمجتمع. لكن السؤال المتجدد عندنا هو: هل نسير بوحي من هذا التطور أم نبقى أسرى واقعنا السياسي؟
تُحكم الكويت من خلال دستور وضعه أناس شرفاء مخلصون. وتمت صياغته وفقاً للظروف الموضوعية في حينه، فلم يشر صراحة إلى إنشاء أحزاب مثلما هو لم يحظرها فتركها للمشرع يفتي فيها لاحقاً. لذا فإن المسؤولية ملقاة على مجلس الامة وعلى الحكومة بالطبع ليحزما أمرهما ويباشرا المناقشة الجدية لمستقبل العمل السياسي في الكويت ومستقبل الديموقراطية فيها. ولا شك أنهما سيكتشفان، لو خلصت النيات، أن سن قوانين واضحة تتم من خلالها ممارسة العمل السياسي الحزبي بصورة علنية وقانونية أفضل ألف مرة من حال اللبس والغموض والتسيب الديموقراطي السائد حالياً والذي لا يفسح في المجال إلا للتشكيلات البدائية بالتعبير عن نفسها والمساهمة في تمزيق النسيج الوطني عبر طروحات لا تمت إلى التطور بصلة ولا تنزع منازع الوحدة الوطنية الحقيقية والسليمة.
نقول إن الديموقراطية الكويتية بخير. لكن ماذا عن المستقبل؟ هل تستطيع الصيغة الديموقراطية المحلية استيعاب متطلبات العصر؟ وهل نقبل أن نبقى أسرى منطقنا المحلي وتوازناتنا وحساسياتنا؟ أم ننتقل إلى مصاف الدول الراقية التي تطورت فيها الحياة السياسية وتشكلت فيها أحزاب تسعى إلى المصلحة العامة على قاعدة العمل السلمي والحضاري؟
الأكيد أن مقاربة جادة من الحكومة والمجلس لمسألة العمل السياسي أمر ضروري ومهم، وهي بلا شك أفضل من التلهي بمنع الحفلات والتواطؤ لتبادل التمريرات. والحكومة خصوصاً مدعوة إلى حزم أمرها واتخاذ قرار يضع العمل الديموقراطي على سكة التطور من دون الخروج عن القانون. فالقانون ضمانة البلاد، وتجاوزه ــ مهما كانت المبررات ــ يسيء إلى المصلحة الوطنية. ولا يجوز بأي حال من الأحوال ترك العربة تسير من دون زمام لئلا ينفلت العقال ويتحول الموضوع إلى قضية، والقضية إلى مشكلة، ومشكلة البدون خير مثال.
ينبهنا تشكيل «التجمع الوطني الديموقراطي» إلى حقيقة واضحة لا لبس فيها، هي أنه آن الأوان لتخرج سلطتا البلاد الرئيسيتان من حال الجمود والتجاذب إلى حال التفاعل والابتكار. ولن يصير تفاعل وتطور من دون نظرة إلى المستقبل تتعامل مع الكويت على أنها دولة واعدة، ومع الكويتيين على أنهم شعب يستطيع بناء تلك الدولة. لذلك فإن المطلوب قرارات واضحة ومدروسة وجريئة لتنظيم العمل السياسي في البلاد حتى ولو استدعى الأمر تعديل الدستور. وبذلك نبتعد عن أسلوب رد الفعل، وهو أسلوب يظهر فجأة في السماح والمنع. ومن دون التفكير والقرار سنبقى مكاننا نمتدح ديموقراطيتنا وخصوصيتنا ونتبادل المديح.
رئيس التحرير