القمة الاسلامية وميثاق الأمير

تصغير
تكبير
لعل الكلمة التي ألقاها صاحب السمو أمير البلاد أمام مؤتمر القمة الإسلامية، بإيجازها وتواضعها، من أعمق الكلمات التي ألقيت ومن أكثرها واقعية. فسمو الأمير اختصر في ما قاله هموم الأمة الإسلامية وهموم الكويت، وصاغها بأسلوب حديث محدداً المفردات ومعانيها ودلالاتها، ومبتعداً عن المجاز وتفسيرات المجاز التي تختلط فيها الخرافة بالحقيقة وتمحى فيها الحدود لمصلحة الأوهام والأغراض. وضع سموه الإصبع على الجرح رافضاً إلقاء تبعة تخلف الأمة على الآخرين. فدعا إلى صون رسالة الأمة من كل تشويه خصوصاً «إذا كان ذلك على أيدي أتباعها». وبإشارة واضحة دان حرب العراق على إيران. ثم احتلال العراق الكويت وأخذ الأسرى رهائن خلافاً لقيم الإسلام والإنسانية. وهكذا حدد سموه مصدر الخطر الرئيسي على الرسالة وعلى الأمة فاعتبره من داخلها. ورد ضعف الأمة والاستهانة بها إلى تفكك روابطها ما أضعف موقفها تجاه إسرائيل وجعل الأخيرة تنكث بتعهداتها وتعرض حقوق شعب فلسطين والقدس للضياع. وهنا يكرر سمو الأمير التزام الكويت مبدأ السلام العادل وانسجامها مع الشرعية الدولية بعيداً عن المزايدات. لم يكتف سمو الأمير بتحديد الأولويات، بل أسقط الأوهام من الخطاب «الإسلامي»، الشعبوي أو المتشدد، في محاولة لرده إلى الواقع، وكأن كلمته اجتمعت مع كلمة الأمير عبدالله المندد بالتطرف ومع كلمة الرئيس خاتمي الداعية إلى حوار الحضارات لتتشكل ملامح إطار سياسي وثقافي وفكري جديد لهذا الخطاب قادر على التحاور مع العالم غير الإسلامي والانطلاق نحو التحديث من منطلق التقاطع والتكامل الحضاريين ومن منطلق المصالح السياسية في آن واحد. وتجسد ذلك خصوصاً في إعلان سموه أن «عالم اليوم عالم المصالح»، ودعوته إلى تعاون أخوي بعيداً عن حب السيطرة ليكون للمسلمين مكان في عالم المنافسة، وتشديده على رفض المساس بخصوصيات الدول مطالباً بوضع ضوابط للالتزام بذلك. وربما وصل سمو الأمير إلى أقصى الواقعية حين طالب بـ «تنسيق» إن لم يصل إلى التطابق فلا يصل إلى «التضارب والتناقض» وكأنه بكل ذلك وضع مدونة سلوك أو ميثاقاً للدول الإسلامية وأرجع المؤتمرين إلى حقيقة ان منظمة المؤتمر الإسلامي اطار عام متنوع ومتعدد، وان أهدافه وضوابطه لا يمكن ان تنطلق إلا من حاجات كل دولة وكل كيان ومن تقاطع مصالح كل دولة مع مصالح الآخرين في المنظومة، محكومة بالمبادئ الأخلاقية العامة والإنسانية الشاملة وبروح الرسالة الخالدة. بهذه المقارنة الأصيلة والمنفتحة رفع سمو الأمير همّ الكويت الى مرتبة همّ الجماعة، وحوّل الحالة الكويتية إلى حالة إسلامية، بل إلى حالة إنسانية أشمل لا مناص للأسوياء من التضامن معها، كونها تنطلق من مبادئ دينية وأخلاقية وغير منفصلة عن الواقع. رئيس التحرير
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي