الدواء لمكمن الداء


أما وقد انقشع غبار المعركة الانتخابية وبدأت تنحسر الخطابات والمآدب، ورجعت غالبية الأمور إلى أحجامها، فان الحديث لا بد أن يدور عن استخلاص النتائج، إذ مهما قيل عن دستورية حل المجلس وتجديد الدماء في الحياة السياسية، تبق هذه الخطوة «أبغض الحلال»، ويبق تجنب حصولها هو الأساس، وبالتالي يتوجب على أهل الحل والعقد مكاشفة النفس ومن يعنيهم الأمر بأن الخلل هو الذي أدى إلى حل المجلس وان مكمن الداء يحتاج إلى دواء.
بسهولة تامة يمكن القول ان الشعب، باختياره نوعية معينة من النواب، وجه رسالة واضحة وصريحة إلى الحكومة والنظام مفادها -لمن يعرف قراءة الرسائل- ان الخلل جسيم، وان أسلوب العمل الحكومي خلال السنوات الماضية هو السبب في الخلل. وليست الخريطة السياسية الجديدة في مجلس الأمة سوى تعبير عن اعتراض المواطنين على ما ساد خلال السنوات الماضية وعلى الخيبات التي تلقوها واحدة بعد أخرى.
بالطبع لا يمكن تبرير سلوك أعضاء مجلس الأمة الذين تجاوز بعضهم حد العمل البرلماني، لكن الخلل الجوهري كان في السلطة التنفيذية ويتمثل في أمرين رئيسيين:
1- عجز هذه السلطة عن اتخاذ القرار الملائم في الوقت الملائم وترك شؤون البلاد السياسية والاقتصادية والاجتماعية معلقة ما تسبب في تفاقم حدة المشكلات وأفقد المواطنين الثقة في الحكومة.
2- عدم قبول الحكومة مبدأ محاسبة الوزراء خصوصاً اذا كانوا من أبناء النظام. فعلى مدى السنوات القليلة الماضية شهدت البلاد أزمات متكررة بسبب الدفاع المستميت عن وزراء ارتكبوا مخالفات أو هفوات. والأمر لدى الحكومة سيّان. فلا هي قبلت بالخطأ وعملت على اصلاحه ولا اعترفت بالشوائب. بل على العكس حشدت كل ما تستطيع في وجه ما اعتبرته «تهديدات»، وخاضت معارك أفقدتها صدقيتها ونزعت منها أوراقها ودفعت بالبلاد إلى الهاوية. وفي الذاكرة لايزال شاخصا مثال ناصر الروضان وكيف تم الحفاظ عليه على حساب سمعة الحكومة وشعبيتها. وفي الذاكرة أيضاً كيف تم التعامل مع استجواب سعود الصباح. ونتذكر استجواب محمد الخالد وكيف جاءت الحكومة ببدعة الجلسة السرية للاستجواب لانقاذ الوزير. وأخيراً كان مسك الختام حل المجلس والتضحية بأحمد الكليب لأجل علي السالم.
واضح ان الأمرين المذكورين كانا الدافع الأساسي لتأزم الأوضاع والسبب الرئيسي في حل المجلس، وليس غريباً أن تتكرر التجربة المؤلمة لو تكرر أسلوب الدفاع عن الوزراء، وخصوصاً أبناء الأسرة، لذا فان أهم من تجديد مجلس الأمة تجديد العقلية الحكومية والاعتراف بأن الدولة أهم من الأشخاص وأولى بالولاء. وبأن قيمة العامل في الشأن العام تستمد من الأفعال وليس من الانتماء، وبأن المحاسبة واجب وعكس ذلك طعن للديموقراطية ودولة القانون.
هكذا اذا استخلصت العبر نضع القطار على السكة ونواجه مشكلاتنا بواقعية وفاعلية. ومن دون ذلك سنبقى أسرى ذهنية الأزمات والتشكيك، وأسرى الأسلوب الذي لا ينتج سوى الركود والشلل السياسي وضيق الأفق. والقضية أولاً وأخيراً في يد سمو ولي العهد، والرهان معقود عليه لاتخاذ المبادرة من أجل الخروج من المأزق.
رئيس التحرير