الحزم ... وإن سقطت رؤوس كبيرة

تصغير
تكبير
اليوم، وبعدما حدث ما حدث، وبعدما وصل الاستهتار بالقانون والقيم الى حد إسالة الدماء واستخدام أسلوب الاغتيال، ليس كثيراً على الكويت ولا على أهل الكويت ان توضع فترة ما بعد الغزو تحت مجهر الفحص والتدقيق وان ينظر إليها بعين الناقد والمسؤول لاستخلاص العبر وإعادة النظر. هل استفدنا من تجربة الغزو؟ لنكن صريحين. ولنواجه أنفسنا بالحقيقة. ربما تألمنا وأُصبنا وفقدنا أعزاء، لكن يبدو انها مرت كما تمر الريح. لم تغير فينا الأسلوب ولم تعطنا تلك المناعة التي تظهر عادة إثر المحن الصعبة في تاريخ الشعوب، ولا ذلك الدفع نحو تغيير مفاهيم كثيرة في نمط الحكم ونمط الممارسة السياسية ونمط العلاقات الاجتماعية. بانتهاء تجربة الغزو كان يفترض بالدولة التي ولدت ثانية من الرماد ان تكون أكثر صلابة وأصفى جوهراً وأشد أركاناً. ومع تثبيت الكيان وتعميده بالدم والنار كان يفترض أن تسود سياسة تثبيت القانون والإقلاع عن الاستهتار واستخدام الحزم العادل وقطع دابر الفساد والمفسدين للانتقال بالبلاد إلى مرحلة أكثر تقدماً والى ديموقراطية أعمق تتماشى مع دولة فتية سائرة بنشاط نحو التحديث. هل حصل ذلك؟ واضح ان بعض الجهد المشكور في هذا الإطار لم يعدِّل كفة الفساد ولا التسيب ولا انعدام المسؤولية، مثلما لم تتعدل سياسات خاطئة على كل المستويات... والأمثلة أكثر من أن تحصى. والأكيد ان سياسة الترقيع التي اتبعتها الحكومة وهدأت على اساسها الأمور من دون حلول جذرية ادت الى تورم سرطاني ما لبث ان انتشر في جسد كل الوطن. اليوم، وبعدما وصلت الأمور الى حيث لا يريد أي كويتي مخلص ان تصل، وبعدما جرى الاحتكام الى السلاح لتصفية حساب أو للجم رأي حر، يأمل المواطن ان تكون الجريمة النكراء فرصة ثانية وربما أخيرة لتقرر السلطة الحزم وأخذ الأمور بجدية وشجاعة، ومحاسبة المتورط، ومحاسبة المسؤول مهما علا كعبه لإعادة ثقة المواطنين بمؤسساتهم وبأمنهم وباستقراره، ولطمأنة الجميع ان أحداً لا يستطيع ان يكون فوق القانون وان العدالة لن تتوقف عند أدوات التنفيذ، أصحاب النفوس الصغيرة، بل ستمتد لتطاول كل من له ضلع من قريب أو بعيد، في التطاول على أمن الأمة. ليست الديموقراطية في الكويت في خطر. لكن الدولة ومفهوم الدولة الديموقراطية أمام الامتحان العسير. ولأن المشكلة كبيرة الابعاد ومحاولة الاغتيال ليست عادية فإن التردد في المعالجة الحاسمة والايجابية سيزيد الحال تفاقماً. ولعلها فرصة للبدء بعملية تنقية للمجتمع من الفساد والمفسدين مهما علت مستوياتهم ومراتبهم، ومباشرة حل ملفات جرى التلكؤ في حلها مثل جمع السلاح وحماية المال العام. والأهم في كل ذلك البعد عن العموميات وتحديد المسؤوليات. ولن يحصل ذلك إلا إذا اتخذت خطوة جريئة بفتح كل الملفات مرة واحدة. ونجاح الحكومة في خطوة كهذه سيشكل بداية تحول نحو الأسلوب الأمثل في إدارة البلاد. ولا همّ لو سقطت رؤوس كبيرة، فمصير البلاد في الميزان. رئيس التحرير
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي