مؤتمر القمة الإسلامي... الكويت نموذجاً لفكرة الحق


إذا أقر المؤتمر الإسلامي الذي يبدأ أعماله في طهران غداً ما توصل إليه وزراء الخارجية من قرارات في شأن الكويت والعراق، فإن الكويت تستطيع أن تفخر بإنجاز مهم ليس في مصلحتها وحدها بل في مصلحة العالم الإسلامي كله. ذلك أن إقرار المؤتمر الإسلامي بالحق الكويتي ـ ممهوراً بخاتم الأسرة الدولية ـ هو في الحقيقة نقطة التقاء مهمة بين القيم التي ينادي بها العالم الإسلامي والقيم العالمية التي تنادي بها كل الحضارات وسائر دول العالم مجتمعة في المنظمة الدولية.
قد تكون الديبلوماسية والمصالح السياسية عاملاً مهماً في التوصل إلى قرارات لمصلحة الكويت أو بالأحرى قرارات تؤكد حقوق الكويت، لكن العالم الإسلامي ودوله مجتمعة مطالبة في القمة الإسلامية، خصوصاً أنها تعقد في طهران، بأكثر من قرارات هي جوائز ترضية أو نتاج تسويات سياسية. بل هي مطالبة أيضاً باستخلاص نتائج على المستويين الفكري والثقافي تسمح بالتفكير العميق في موقع العالم الإسلامي في القرن المقبل وفي علاقاته مع سائر الحضارات ووسائل اندماجه في حركة التحديث والتطور، كي لا نقول «العولمة» التي يندد بها كثيرون من غير نقاش جدي لمضمونها.
يصلح نموذج الكويت حالة لدراسة عميقة لفكرة الحق في العالم الإسلامي. فغزو الكويت شكل هزة سياسية وتسبب في انقسامات، لكن هذا الغزو دلّ إلى خلل فادح في وعي الجماهير الإسلامية لحقائق كونية وقيم يفترض أن الإنسان المسلم هو أول المدافعين عنها.
وبصراحة كلية فإن مأساة الكويت لم تحدث الصدمة نفسها ولا ردود الفعل نفسها التي أحدثتها مأساة البوسنة في العالم الغربي، رغم أن الحق السياسي والأخلاقي والتاريخي في كلتا الحالين واضح ولا يشوبه أي لبس. وعلى خلاف البوسنة، جرى التعامل العربي والإسلامي، على مستوى الجمهور والمثقفين وبعض الأنظمة، بطريقة تتناقض كلياً مع روح الإسلام وقيم الحق والحرية. بل كان تحرير الكويت ولا يزال مغذياً لترويج فكرة التناقض الأزلي بين العالم الإسلامي والغرب، وهي فكرة مغرضة تسقط في امتحان التحليل العلمي الرصين. فالقيم الإسلامية هي قيم حضارية كونية تتقارب مع كل الحضارات وتتقاطع معها في شكل إيجابي لو تم استنباط هذه القيم من دون إسقاطات الحاضر والتفسير المغرض والمجتزئ للنصوص.
خلاصة القول أن اعتراف منظمة المؤتمر الإسلامي أو تأكيدها على حق الكويت وعلى القرارات الدولية المتعلقة بالعراق لا منة فيه لأحد على أحد بل هو واجب شرعي حين يكون المنطلق هو الإسلام في جوهره وفي رسالته الحضارية، وخلاف ذلك خروج على قيم الحق والعدل والحرية التي نادى بها الإسلام والتي هي عرضة للتدمير على يد التطرف والتزمت والجهل، وعرضة للتلاعب على مسرح السياسات اليومية غير الأخلاقية.
قمة المؤتمر الإسلامي مهمة، وربما أهم ما فيها أنها تعقد في طهران، حيث نموذج الثورة التي تحولت إلى دولة، والدولة التي لا تزال تمر في مخاض التجربة والتي لا تزال علاقاتها مع العالم موضع جدل. والأمل أن يكون مؤتمر القمة الإسلامي دافعاً لطهران نحو تعزيز نهج الاعتدال المقبل مع الرئىس خاتمي، لتستطيع معاودة الاندماج مع الأسرة الدولية انطلاقاً من قرارات المؤتمر الإسلامي وشرعية 55 دولة مشاركة، خصوصاً إذا جاءت تلك القرارات معتدلة ورصينة وأكدت ثوابت ومبادئ تجمع عليها الأمم المتحدة وأهمها احترام حق الإنسان في الحياة وحق الشعوب في الحرية وحق الكيانات الصغيرة في الحماية من الكيانات الكبيرة والطامعة وحق العالم أن لا يُستخدم الإسلام ذريعة للإرهاب وأن يرتفع صوت العالم الإسلامي مندداً بالتطرف.
رئيس التحرير