حضور البحرين وغياب المجلس

تصغير
تكبير
بعد كل اللغط والكلام والوساطات، تنعقد القمة الخليجية اليوم. ورغم اعلان الشيخ عيسى اعتذاره عن عدم الحضور يبقى الأمل، حتى اللحظة الأخيرة معقوداً على مفاجأة أو على حضور البحرين. أي حضور من يمثلها كدولة وشريك وعضو مؤسس، في مجلس أراده الخليجيون وقادتهم، وبحكمة، أن يكون اطاراً طبيعياً للتعاون ونموذجاً يحتذى في التضامن الاقليمي، عقلاني المنحى، براغماتي الممارسة، بعيداً عن صخب أوهام «الوحدات» العربية ومسلسلات فشلها. ولأن قيادات دول مجلس التعاون نجحت داخل كياناتها وأقامت نظماً تتناسب مع طبيعة شعوبها، استطاعت أن تجتمع منذ 61 عاماً ليشهد العرب للمرة الأولى ولادة منظومة للتعاون لا قسر فيها ولا ابتزاز ولا يطمع فيها جار بجار أو يدعي طرف حقوقاً تاريخية ليست له في أراضي الطرف الآخر. هكذا ولد مجلس التعاون، وبهذه الروح التقى المؤسسون وتعاهدوا على خير دولهم وكياناتهم وشعوبهم. وهكذا قطعت مسيرة التعاون شوطاً يحسدنا الآخرون عليه حتى ولو اعتبرناه غير كافٍ. ومن تلك الروح والممارسة كان تضامن المجلس مع الكويت حين غزاها الجار «الوحدوي»!، وتتضامن الكويت، على سبيل المثال، مع كل جارة من جاراتها حين تعصف أزمة، أو يطمع الخارج والخوارج بها. فأين نحن اليوم من هذه المسيرة، وأين نحن اليوم من نهج التأسيس؟ كانت القمم الخليجية تعقد لتنجز في كل مرة جدول أعمال حافلاً ومكثفاً، وكان الخليجيون يتوقعون من كل قمة خطوة اضافية في مسيرة التعاون المتنوعة، لكن المؤسف ان جدول أعمال القمة الحالية يبدو كأنه انعقادها نفسه، بعد ما ظللتها الشكوك معزوفةً على أنغام اعتكاف المنامة ووساطات اقناعها. في خضم الجدل حول الحضور وعدم الحضور بدت القمة الخليجية التي تعقد اليوم وكأنها قمة اثبات الوجود وتأكيد عدم الانفراط في وقت تزداد الحاجة إلى قمة تتخذ قرارات أساسية على مستويين. الأول، مستوى المواضيع والمسائل المطروحة. والثاني، مستوى التنظيم وهيكلية المجلس. وفي المستوى الأول بندان لهما الأولوية القصوى وهما: الأمن والارهاب. فأمن الخليج، وبكل صراحة، أمن هش يتطلب رؤية موحدة للدفاع الخليجي وتضامناً عسكرياً فعالاً لمواجهة الأطماع التوسعية ويستوجب حتماً أن تصير «دروع الجزيرة» درعاً واحدة. أما الارهاب، فردعُه واجب بالتنسيق لمنع المندس والمتجسس فعلاً أكان دولة أم مجموعات. فأين نحن من هذا التنسيق بعد ما شهدنا كيف ضربت يد الشر في الخُبر وغير الخبر، وأين نحن من الاحتياطات والعلاجات في وقت تحفر دعوات التطرف في تربة النفوس الضعيفة أو في بؤرة تعاسة تحتاج إلى دعم للنهوض؟ وليس الأمن والارهاب وحدهما هاجس الخليجيين، فأمام دول المجلس طريق طويل للتنسيق والتعاون في الاقتصاد والاجتماع والاعلام والبيئة وكل ميادين الحياة، وهي مسائل إن لم تبحث وتواجه اليوم نتخلف عنها حتماً في المستقبل، خصوصاً اننا لا نزال مقصرين عن اللحاق بركب التطورات العالمية الحاصلة على أكثر من صعيد. وفي المستوى الثاني يريد الخليجيون، ولو من باب التمني، أن يمر المجلس ولو عَرضاً على اقتراحين لتفعيله. أولهما، أن ينشئ جهازاً تنفيذياً يساعد أمانته العامة على صون الأمانة ويكون مقدمة لمجلس وزراء خليجي يتابع تنفيذ المشاريع المشتركة. والثاني أن ينظر في انشاء مجلس تمثيلي يؤخذ من الصياغات التمثيلية القائمة في دول المجلس وتتأمن معه مشاركة شعبية في خطواته على غرار ما هو حاصل في الاتحاد الأوروبي. ولا ضير في أن يقتصر دور هذه المشاركة على النصح وتقديم المشورة. حبذا لو يخرج القادة الخليجيون في اجتماعاتهم التي تبدأ اليوم من هاجس حضور المنامة إلى هواجس الأزمات الحاضرة في منطقتنا وإلى آفاق التعاون المستقبلي عبر تفعيل المجلس وتطوير أجهزته ومفهومه، فعبر هذا التطوير يمكن لدول المجلس أن تحل خلافاتها ويمكن للمجلس أن يبقى مجلساً لأخوة متعاونين وليس مجلساً لخصوم متنافرين ينتظر الواحد غلطة الآخر على أول مفترق ليصعد مواقفه ويبرر احجامه. أبعد من حضور المنامة أو عدم حضورها، من الوهم الاعتقاد بأن مجلس التعاون في وضعه الحالي قادر على القرار أو على انجاز ما يصبو اليه الخليجيون أو مجابهة التحديات التي تعصف بالمنطقة. فالمجلس الحالي في حاجة إلى اعادة تفعيل واعادة صياغة لئلا يتحول شكلاً من غير مضمون وتتحول أجهزته ادارة منسية تشبه ادارات الجامعة العربية، أو يصير شيئاً هُلامياً مشابهاً لما يسمى «اعلان دمشق». تحضر البحرين. لا تحضر البحرين. ليس من خليجي إلاّ ويتمنى انعقاد المجلس بكامل أعضائه. فالاعتكاف طريقة احتجاج لا معنى لها إن لم يتبعها حوار. والمقاطعة وسيلة ضغط يجب أن تتضمن اقتراحات عملية للحلول كي لا تتحول أداة ابتزاز أو تتكرس كردات فعل وليس كمواقف دول، إذ عندها يستحيل أن تستمر في اثارة الاهتمام. سيكون بالطبع مطمئناً لو تحضر البحرين. لكن الأهم من حضور طرف أن نحضر كجماعة وكدول مجتمعة ونبحث عن دورنا في التطورات المتعلقة بنا، وعن دورنا في قرارات تتعلق بمصيرنا ومصير شعوبنا تتخذ الآن بالتشاور معنا، ولو استمر تضعضعنا فلربما اتخذت مستقبلاً في غيابنا. رئيس التحرير
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي