طريق القدس: الدروس والتفكير


التفجير الانتحاري الثلاثي الأخير ليس الأول ولن يكون الأخير. ولأنه جرى في القدس الشريف يكتسب أكثر من معنى ورمز، ويفرض علينا طرح أسئلة عن مسؤوليتنا نحن العرب في ما وصل اليه وضع القدس وما يمكن ان يستقر عليه.
وبعيداً عن سهولة تحميل المسؤولية للغير، وعن تعذيب النفس بعقد الذنب التي تنتابنا بين الحين والآخر، يجب علينا نحن العرب مصارحة الذات بحثاً عن وضوح الرؤية. لذا وجب الاعتراف بأننا نحن من أضاع القدس بداية، ونحن الذين نشهد حالياً استمرار ضياعها بسبب تصرفاتنا ونهجنا العشوائي والمتخاذل وأنانياتنا وتفرقنا وتفرد كل طرف منا بالرأي والاجتهاد غير واعين ان قضية القدس هي قضية كل العرب وكل المسلمين.
يدفعنا التفجير الانتحاري وحلقة العنف المتمادية وتعثر المفاوضات السلمية وسياسة نتنياهو التي تدمر عملية السلام الى ضرورة وعي جملة حقائق. ولا شك ان تكرارها مفيد ولو كانت بديهية.
أولها، ان دولة اسرائيل قامت أساساً كدولة مغتصبة لحق الآخرين، وهي تترقب كل فرصة للتوسع وللتمدد، وستستمر هكذا على الدوام طالما أنها لن تجد من يردعها ولن تجد من يفرض عليها تغيير نواياها والقبول بالتنازل عن الأراضي المحتلة كلها واحلال السلام الشامل والعادل.
وثانيها، ان دولة اسرائيل ومن يقف وراءها من يهود أميركا ولوبي صهيوني رقم صعب في الانتخابات الاميركية، ما يعني ان كل ادارة اميركية جديدة لن تتعامل مع اسرائيل كدولة فقط بل ستتعامل معها أيضاً كصاحب فضل دائم ومستمر، وبالتالي فإن اي رئيس اميركي سيبقى أسير هواجسه الانتخابية وأسير قوة من يسير ادارته من اليهود المتنفذين او من الموالين لحكومة اسرائيل. ولن يتغير هذا الوضع اذا لم يستوعب العرب آلية العمل السياسي في اميركا وآلية اتخاذ القرار، ولم يشكلوا جبهة ضاغطة في اميركا يكون لها تأثيرها في الانتخابات والاقتصاد والسياسة والاعلام.
وثالثها، ان وضع عملية السلام الحالي لا يبشر بالخير، وما جرى من اتفاقات لا يشكل ضمانة للسير بالعملية في الاتجاه الصحيح، خصوصاً ان النموذج المتمثل بالسلطة الفلسطينية وتركيبتها الفاسدة لا يمكن ان يعبر عن طموحات الشعب الفلسطيني ولا يمكنه تشكيل حالة تتوصل الى تحقيق هدف العرب والمسلمين في عودة القدس الى اهلها وعودة الحق الى نصابه. من هنا ضرورة اجراء تغيير نوعي في التعاطي مع العملية السلمية لفرض العودة الى المبادئ التي قام عليها مؤتمر مدريد ويفترض ذلك ان تلعب واشنطن دور الوسيط النزيه وليس الشريك في ممارسة الظلم والتغطية على المعتدين والمغتصبين.
تفرض علينا كل هذه المعطيات ان نستوعب التطورات وان نخرج من اساليب التفكير القديمة المرتكزة على التضامن اللفظي الى العمل الفعلي والمنظم والدقيق. فحقوق العرب لن تعود بالتفرق والتفرد. والسلام لن يتحقق بالتنازل والتخاذل. وواشنطن لن تغير سياستها طالما اننا نقف سلبيين تجاه عنجهيتها وانحيازها. والقدس لن ترجع بالكلام والشعارات الفارغة. فهل نستوعب دروس العصر ودروس العنف ودروس الانتحار ونبدأ بالمصارحة والتفكير؟
رئيس التحرير