مدفــع التذكيــر: اي حكــومة نـريــد؟


لا بد من توجيه الشكر إلى المدفع الأميركي. فهو ذَكَّرنا بحالنا، إذ نَكأ الجرح الدائم في علاقات السلطتين التنفيذية والتشريعية، وهو أكدَّ لنا ما كنا نعرفه وننبه إليه بأن الأزمات بين الطرفين مشهد قابل للتكرار، أحياناً على صورة مأساة تُبكينا، وأحياناً في صورة هزل يجعلنا نضحك على أنفسنا، وعلى ما وصلنا اليه.
وما وصلنا اليه، أسبابه ليست سراً عظيماً لا يُدرك كنهه، ولا قدراً نازلاً علينا لا مرد له، إن هو إلا الاصرار على نهج في العمل الحكومي يفتقد المنهج، وأسلوب في معالجة السياسة والاقتصاد هو أبعد ما يكون عن الواقعية من جهة، وعن التبصر بالمستقبل من جهة أخرى. فكيف، والحال كما ذكرنا، نبني وطناً قادراً على مواجهة التحديات؟
هناك خلل أساسي في النهج الحكومي، والمسألة ليست مسألة استنتاج مثلما هي ليست اتهاماً، إنما وصف لواقع مريض تُجسده الأزمات المتكررة والأفخاخ التي نقع فيها بملء ارادتنا، مثلما تجسده تلك الرؤوس المدفونة في الرمل والتي لا ترتفع إلا لحصر الأضرار التي تُخلفها العواصف.
نكاد نُسلم جدلاً بأن الحكومة عاجزة عن وضع تصورات للمستقبل، وقاصرة عن فكر إبداعي يبتعد عن التلهي بالقشور والسياسات الضيقة، لكننا نستهجن كيف أنها عاجزة أيضاً عن التعلم من الأخطاء السابقة ومُصرة على الوقوع في مثيلاتها. فأزمة سوق الأسهم عام 6791 حلَّتها الحكومة بأسلوب ترقيعي وبدفع أموال بلغت 071 مليون دينار في حينه، من دون أن يدفعها ذلك إلى وضع ضوابط لسوق الأسهم، فكانت كارثة سوق المناخ في 2891 التي لايزال الاقتصاد الكويتي يعاني آثارها.
أما في الجانب السياسي- الأمني فان الحكومة الرشيدة لم تتعلم شيئاً من درس «الصامتة» عام 3791 حين اعتدى العراق على حدود الكويت كاشفاً نواياه، فآثرت أن تبقى صامتة وخلدت إلى سكينة طويلة لم تستفق منها إلا على وقع جنازير دبابات الغزو في 0991.
أغرب ما في النهج المذكور أن محاسبته لم تتم في طريقة مسؤولة، بل ان مجلس الأمة حين تطرق إلى بعض الارتكابات كان هاجس بعض أعضائه المنافع الشخصية أو الانتخابات التالية أو تمرير المعاملات، في وقت تحتاج البلاد إلى مواقف جريئة وإلى إقدام من ممثلي الشعب على إعلاء مصلحة الوطن فوق مصالح الأفراد ومصالح الراغبين في الاستيزار.
أما الآن ونحن على أبواب القرن المقبل فان أزماتنا تتكرر أمام أعيننا من دون أن يتغير أسلوب المعالجة. لكن ما كان يصح سابقاً لا يصح الآن. فحل تقديم المال الذي كان معتمداً زمن الوفرة لن يكون متيسراً في الشح المقبل، وهكذا تكرس الأسلوب في حين تمتنع الوسائل والأدوات. وأمام الأزمة نرى الحكومة تلجأ إلى طريقتها العقيمة: تغيير وزاري أو تدوير أو تلويح بحل مجلس الأمة. وهي أمور جربت كلها وصار الشعب الكويتي يملها بل يمجها.
من المثير للعجب كيف أن الحكومة لا تسأل نفسها عن عدم ثبات تشكيلها وعن قصر عمرها (معدله سنتان) وعن اعتذار كثير من رجالات البلاد عن استلام المنصب الحكومي، مثلما لا تسأل نفسها عن النتائج الكارثية التي حصلت في العقدين الأخيرين في الاقتصاد والسياسة، من دون أن نغفل ضياع فرصة التنمية، وهي كانت فرصة ذهبية لا تتكرر. ولأنها لا تسأل نفسها صار واجب كل كويتي أن يطرح السؤال على نفسه وعلى اخوانه ويُسلِّط الضوء على ما نريده لأن المسألة تتعلق بمستقبل البلد ومستقبل أبنائه.
ما نحتاجه في الواقع هو بادئ ذي بدء حكومة مستقرة متجانسة تهجس بالمستقبل وتخطط وفقاً لمصلحة البلد العليا وليس لمصلحة الأنانيات الفردية. وربما كان الحل يكمن بالتفكير في أسلوب جديد لاختيار الحكومة، لا يخضع لأهواء الترضيات أو التوازنات ومهادنة القوى السياسية على حساب الخبرة والكفاءة والولاء للوطن مع اعطاء الوزراء صلاحيات وحرية واسعة للعمل بعيداً عن الضغوط كائناً ما يكون مصدرها. وقد يتطلب ذلك إعادة النظر جذرياً في العلاقة الدستورية بين السلطتين التشريعية والتنفيذية بما يضمن عملاً حكومياً مستقراً ورقابة مجلسية دائمة وفاعلة من دون تدخل. ولا يجب أن يشكل تعديل الدستور أو تنقيحه عائقاً في سبيل ذلك. والأساس أن يطمئن المواطنون إلى الرقابة الشعبية على أعمال الحكومة، وأن يطمئنوا إلى أنها تقع تحت المحاسبة وليس فوقها وإلى أن الحجج التي تقذفها في مرمى البرلمان كلما حصلت مشكلة لم تعد مجدية، مثلما لم يعد مجدياً التستر على النهج الخاطئ والتخوف من الدعوة إلى اصلاح لن تستقيم أمورنا اذا لم نضعه في رأس أولوياتنا.
رئىس التحرير